الخيمة..هي، بلا شك، مبرِّر وجود Raison d’être كل صحراوي يعيش على الأرض وفوقها..هي جزءٌ من هُوية إنسانية متأصلة، موغلة في القِدم وضاربة في أعماق التاريخ. الخيمة، ذاكرتنا الجمعية ووجداننا الشعبي المشترك، وفضاءٌ طَقْسِيٌّ Rituel أنجب الأدباء والفقهاء والعلماء والفنانين والساسة أيضاً..وهي، قبل هذا وذاك، حَاضِنُ مجتمع بدوي عشائري أسَّس حياته على معاني المروءة والكرم والعزَّة والشرف.
– الخيمة: عنوان هُوية..
وَرَدَ في القرآن الكريم وصف مساكن البدو وأثاثهم وأمتعتهم بعبارة في منتهى الرِّقة والجزالة، وهي: “والله جعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تَسْتَخِفُّونها يومَ ظَعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين” (النحل، 80). ومساكن البدو هي بيوت الشعر (الخيام) الحارة في الصيف..والباردة في الشتاء، والتي لا تقي من الرطوبة والمطر كما ينبغي. تخفق فيها الرياح وتهزُّها، وقد تسقطها العواصف على رؤوس أصحابها، لكن هذه البيوت على علاتها ومساوئها المذكورة ما برحت منذ آلاف السنين مأوى البدو ومسكنهم يطوونها وينشرون، ويقوِّضونها وينصون، ويهيمون بها ويمدحون(1) ومسكن البدوي التقليدي نتاج بيئي فرضته الظروف الإيكولوجية التي يعيش فيها البدوي، فكان يصنع من صوف الجمال والأغنام وكان يفرش بالمشغولات اليدوية التي تنتج من هذه الأصواف أيضاً، ويُعَدُّ ذلك استفادة من الحيوانات المتاحة بالبيئة، بالإضافة إلى تصنيفه (شتوي وصيفي) وتصميمه بشكل يناسب الأجواء المختلفة. ولقد تَمَّ إعداد هذا المسكن أو (بيت الشعر) بشكل بسيط، بحيث يتم نقله بسهولة نظراً لطبيعة حياة البدوي التقليدي التي تعتمد على الحل والتِّرحال باستمرار خلف الماء والكلأ. لذلك كانت تجهيزات ومفروشات هذا البيت بل وأدوات الطعام والتجهيزات المختلفة بسيطة الشكل تناسب طبيعة هذه الحياة(2).

إن مسكن الإنسان البدوي هو الخيمة..والخيمة بيت من بيوت الأعراب مستدير يُبنى من عيدان الشجر، وقيل هي ثلاثة أعواد أو أربعة يُلقى عليه نبات الثَّمام ويستظل بها في الحر، وهي عند العرب البيت والمنزل، وسميت خيمة لأن صاحبها يتَّخذها كالمنزل الأصلي، وأصل التخييم الإقامة، وخيَّم بالمكان أقام به وسكنه، وأَخَامَ الخيمة بناها، وتخيَّم المكان كذا: ضرب خيمته، الجمع الخَيْمَات، الخِيَام، الخِيَم والخيْم(3). قال تعالى: “حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيَام” (الرحمن، 72)(4).
الخيمة هي المسكن الرئيس لإنسان الصحراء ومصدر ظلِّه وراحته، فهي عبارة عن بيت متنقل (يسهل ترحيله) يلازمه في كل رحلاته وتنقلاته التي يعود السبب في كثرتها الى بحثه المستمر عن الماء ومواقع الكلأ، فضلاً عن هروبه من المخاطر الطبيعية والبشرية كالإغارة والاجتياح الناتجة عن قوى الطبيعة، أو الفتن والصراعات العشائرية الكثيرة التي كانت تحدث بين القبائل والجماعات. فإذا كان هناك أنواع من الخيام في العالم، فإنَّ شكل خيمة الساقية الحمراء ووادي الذهب هو الشكل العربي الشهير، نقله عرب بني معقل إلى هذه الجهات في القرن الثالث عشر. إنَّ الخيمة ذات أشكال أربعة تتخذ من شعر الماعز أو من الصوف، وهي سهلة التفكيك وتُحمل على ظهر جمل واحد في رحلة قد تصل إلى 100 كلم، يبلغ اتَّساعها المتوسط من 4 إلى 6 أمتار، ولكن خيمة الرئيس وأثرياء البدو تصل أحياناً إلى 12 متراً(5).
فهي -الخيمة- تتسم بكون وحداتها ومكوِّناتها الأساسية تُصنع من “لْفَلْجَ”، (جمع افْلِيجْ)، أي حواشي أو أشرطة مطوَّلة، من شعر الماعز الأسود (وقد يضاف إليه صوف النعاج الأسود، أو وبر الإبل الأسود والأحمر) حيث يتم نسجها، إما من طرف ربَّة البيت بمعية بناتها أو إحدى قريباتها، أو يتم تكليف سيدة أخرى بهذه المهمة مقابل أجر مادي أو عيني وخياطتها بكيفية متلاصقة ومرتبة حسب الشكل المطلوب.
تنقسم الخيمة الصحراوية إلى قسمين أساسيين، هما: القسم الأول يمثل الجهة الأمامية المكوَّنة من ثلاثة فَلْجَ ومطنبة، ويطلقون عليها اسم “فَلْجْ السْمَا” (السماء)، ثم القسم الثاني المكوَّن أيضاً من ثلاثة فَلْجَ ومطنبة، ويُسَمُّون ذلك “فَلْجْ لَرْظْ” (الأرض). وعدد أوتاد الخيمة الصحراوية ثمانية وعلى جوانبها يُوجد ما يُعرف بـ”لَگْفَ”.
2- مراحل صنع الخيمة الصحرواية
الخيمة هي من أكثر البيوت ملاءمة لنمط عيش الإنسان الصحراوي، وقد مثلت كل شيء في حياته. هي مسكنه وفضاء تربيته وتنشئته وتعليمه، ومَقَرُّ للاجتماع والتشاور وفَكِّ النزاعات والخلافات، فضلاً عن إقامة الحفلات والأفراح..
الخيمة الصحراوية نوعان: خيمة الوبر، وخيمة القماش “اشْرَاوِيطْ”، وحين تُصنع الخيمة من وبر الإبل تُسمى “اصفر” حتى وإن كان لونها أسود. يبدأ إنتاج الخيمة الصحراوية بعملية بَدْئِيَة هي “لحباسْ” الموسومة بجمع مختلف الأطراف بالخاصة بعملية الجز التي يُستحسن أن تتم في عُرف الصحراويين يوم الخميس. يتم الجز على الضأن واقفة ومقيَّدة، وأيضاً على الإبل في وضعية جالسة “بَارْكَ” من دون تشويه جلد المجزوزة أو إسالة دم، مع الحرص على أن تتكون مناطق الجز “التَّظْلاَعْ” منسجمة ومتناسقة.
يستعمل الصحراويون في هذه المرحلة من صُنع الخيمة أدوات خاصة، منها “بافريمان” وهو مشط خاص بإزالة الشوك أو “إنيت”، وكذلك الميت من الصوف والوبر. كما يستعملون سكيناً ذات وجهين بغرض لقطع، ومبرداً، و”ترفاطت” وهو وعاء جلدي يستعمل أصلاً في تجارة الملح يُوضع فيه الصوف أو الوبر والاحتفاظ بهما إلى حين الحاجة إليهما.
عقب ذلك تتم تنقية الصوف أو الوبر “التَّنْگْيَة” مع وضعهما في أوعية خاصة تُسمى “التيرفاطاتن” ودَسِّهما بالأقدام بإشراك أطفال الحي “لَفْرِيگْ”، ليترك بعدئد تحت أشعة الشمش على فراش يسمَّى “أدْفرة”، وهو من بقايا غْلاَفْ أو فَرْو. ويقوم الصحراويون بعد هذه المرحلة بتنقية الصوف والوبر من الأتربة عبر الضرب بعصي وتخليصهما من الشوائب الصوفية والوبرية ذات اللونين الأصفر والأبيض المسمَّاة “أزاجة”، قبل الشروع في عملية موالية تُعرف باسم “التْشَعْشِيعْ”، أو “التْمَدْرِيسْ”.
يتم “التْشَعْشِيعْ” و”التْمَدْرِيسْ” بواسطة عصي صلبة تقتلع من شجر القتاد والطلح، ويطلقون عليها أسماءً تخصيصية وفقاً لوظائفها، منها المَدْرَاسَة (أكبر العصي المستعملة ويتراوح طولها ما بين 1,30 و1,60 سم)، ثم الشَّعْشَاعَة متوسطة في الطول والسُّمك، وأيضاً لَحْصَة أو لحرارة (بترقيق الراءين) رقيقة وتستخدم خلال المرحلة الثالثة المسمَّاة “التَّحْرَارْ”. يكون العمل ضمن طقس جماعي تضامني وبواسطة وحدة عمل منسجمة ومتكاملة المهام والأدوار تُسمى “لَعْمَيتة”، ويستغرق ذلك وقتاً قدره ساعة ونصف إلى ساعتين.
3- مكوِّنات الخيمة الصحراوية
تتكوَّن الخيمة الصحراوية من:
– لْفَلْجَ: ج. افْلِيجْ، وهي أشرطة يتم نسجها وتشكيلها من شعر الماعز الأسود لتصير في شكل حواشي يتحدَّد طولها وعرضها حسب رغبة صاحبها. تخاط الواحدة على طرف الأخرى لتشكل في النهاية رقعة الخيمة التي قد تنتهي في مقاسات حدودها.
توضع لْفَلْجَ مرتَّبة حسب نظام معيَّن، وتصنع واحداً واحداً بطريقة خاصَّة تكون فيها الخيوط ثلاثية من كل جانب. مع فكرة هي أنَّ قياس الإفْلِيجْ لا يتم بالسنتمترات، وإنَّما بالمارة، وهي 33 خيطاً.
– لْمَطَنْبَة: تُجمع على “لَمْطَانَبْ”، عبارة عن افْلِيجْ مصغَّر (عرضه يقارب الثلاثين متراً) يُوجد على شاكلتين تستعمل إحداها للجهة الأمامية والأخرى للجهة الخلفية للخيمة.
– لَخْوَالَفْ: وهي أشرطة تكون نسبياً رقيقة تُضفر غالبا من الشعر وتُسَمَّى لَحْگَابْ، وهناك من يصنعها من جلد الإبل، وتسمى النَّسْعَ(6). إلا أن هذا النوع لا يحبذه كثيراً أهلُ الصحراء بسبب سرعة تكسُّره الناتج عن تأثره بأشعة الشمس. وتُستعمل لَخْوَالَفْ غالباً لتقوية وتمتين الخيمة وحماية أجزائها من التفكُّك.