صحة المواطن: نكتة سمجة في سوق “البطيخ الساخن” يا سادة يا كرام، يا من تهرقون دمع التماسيح على صحة المواطن، دعوني أقص عليكم حكاية من قلب أسواقنا “المزدهرة” حيث تنتعش صحة المواطن وتزدهر، أقصد.. تتدهور. فمسؤولية “حماية المستهلك” أصبحت أشبه بنكتة سمجة تُروى في كل محفل، ونحن، كشعب، نضحك عليها مرغمين ونحن نتجرع مرارة “المستوردات” و”المنتجات الوطنية” منتهية الصلاحية.دعونا لا نبالغ، لكن هل زار أحدكم سوقًا شعبيًا في وضح النهار مؤخرًا؟ سترون “الجلي” الذي يصرّ البائعون على بيعه وكأنه فاكهة موسمية، يتشمّس تحت أشعة الشمس الحارقة! ألا يعلمون أن هذا المسكين يحتاج إلى تكييف مركزي أكثر مما يحتاجه بعض البشر؟ لكن لا عجب، فـ”الجلي” الذي يسيح تحت الشمس هو رمز لتهاون يسيح في كل زوايا السوق. أما الشوكولاتة، فحدث ولا حرج! قطع حلوى محروقة من الشمس، تتوسل إليك ألا تأكلها لتبقى على قيد الحياة. يبدو أن أطفالنا قد اكتسبوا مناعة طبيعية ضد السموم بفضل هذه “المعروضات الفريدة”.ولا ننسى “مغامرات المواد منتهية الصلاحية”. فكل يوم هو مغامرة جديدة! هل ستأكل منتجًا منتهي الصلاحية بشهر؟ أم بسنة؟ أم ربما بعقد كامل؟ فالرفوف في أسواقنا تحولت إلى متاحف للمنتجات العتيقة، وكل علبة هي قطعة فنية تستحق التأمل… وتستحق أن تُرمى في أقرب مكب نفايات. الغريب أن البائع لا يرى فيها أي مشكلة، فالمهم أن “الزبون اشترى وراح”. أما عن صحته، “الله هو الشافي”!وأسوأ من ذلك: استخدام المبيض في غش المواد الغذائية مثل الخبز والحمص!أين الرقابة من هذه الكارثة؟ فليس الأمر مقتصرًا على إهمال المنتجات وبيع المنتهي صلاحيته، بل تطور ليصبح غشًا صريحًا يهدد صحة المواطن بشكل مباشر. فكيف يُسمح باستخدام المبيض في منتجات أساسية مثل الخبز والحمص؟ هل يعلم هؤلاء التجار مخاطر هذه المواد الكيميائية على جسم الإنسان؟ هل يفكرون للحظة في الأمراض التي قد تسببها على المدى الطويل؟ إن هذا النوع من الغش يكشف عن غياب تام للضمير، وتهاون غير مقبول من الجهات الرقابية التي يجب أن تحمي صحة المواطنين من هذه الممارسات الإجرامية.وطبعًا، تفعيل الرقابة! كلمة سحرية تُلقى في كل خطاب ومؤتمر. لكن على أرض الواقع، الرقابة هي طيف يمر سريعًا كشهاب، أو ربما لا يمر على الإطلاق. حملات التفتيش المكثفة؟ ربما يقصدون “زيارات ودية” تُعلن عنها مسبقًا ليتسنى للتجار “ترتيب أوضاعهم” قبل وصول “الضيوف الكرام”. والعقوبات الرادعة؟ قد تكون “قهوة سادة” أو “ابتسامة عريضة” تُنهي المخالفة.اكتشافات جديدة ومخفية!ويا حكومتنا الموقرة، اسمحوا لي أن أضيف لكم “اكتشافات” جديدة. ففي رحلتكم التفتيشية “السحرية” إلى الأسواق، لا تنسوا أن تلقوا نظرة على “البسطات” التي تعرض “مقويات” العضلات والمنشطات وكأنها حلوى العيد. هذه “المقويات” التي يدعي بائعوها أنها تحول الواحد منا إلى “سوبرمان” في لمح البصر، هي في الحقيقة قنابل موقوتة تهدد صحة الشباب والمراهقين. لا أحد يعلم مصدرها، ولا مكوناتها، ولا حتى إذا كانت صالحة للاستهلاك الآدمي. لكن طالما أن “الطلب موجود”، فالبائعون “خدومون” ويقدمون كل ما يطلبه الزبون، حتى لو كان على حساب الكلى والكبد!وبعد أن تنهوا جولتكم “المباركة” في البسطات، ندعوكم بقلب خاشع لزيارة بعض الصيدليات. لكن ليس لطلب الدواء الظاهر على الأرفف، بل لتدخلوا إلى “عالم الخفاء” خلف الجرار والأدوية الرسمية. هناك ستجدون كنوزًا من “الأدوية السحرية” والوصفات “الخاصة” التي تُباع بعيدًا عن أعين الرقابة، وكأننا في حارة شعبية لا صيدلية مرخصة. هذه “الأدوية” قد تكون منتهية الصلاحية، أو مغشوشة، أو حتى “مهربة”. لكن ما يهم هو الربح السريع، وصحة المواطن… دعونا لا نعود إلى النكتة السمجة!إن صحة المواطن في بلادنا، يا سادة، أصبحت كـ”المزحة الثقيلة” التي نُجبر على سماعها كل يوم. دعونا لا نضحك كثيرًا، فقد يتسبب الضحك في سعلة، والسعلة قد تدفعنا لشراء دواء منتهي الصلاحية، وهكذا تستمر الحلقة المفرغة في سوق “البطيخ الساخن” الذي نُجبر على العيش فيه.
المجالي يكتب: صحة المواطن.. فوضى في السوق الموازية وخلف العجلات! ـ بقلم: نضال أنور المجالي
