المخابرات تحذر وفرنسا تترقب.. هل ينهي الإليزيه صمته تجاه الإخوان؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!



مع تصاعد التحذيرات الرسمية في فرنسا بشأن نشاط تنظيم الإخوان وتغلغله بمفاصل الدولة، فقد بات توقيت التحرك الرسمي لمواجهته إشكالية ملحّة.

فالتقرير الذي أصدرته وزارة الداخلية الفرنسية في مايو/أيار الماضي، وإن مثّل خطوة مهمة في الاعتراف بطبيعة التهديد الذي يمثله «الإسلام السياسي»، إلا أنه جاء – في نظر العديد من الخبراء – دون مستوى التحديات، سواء على صعيد الصياغة أو من حيث آليات التنفيذ.

وفي هذا الإطار، دعا خبراء فرنسيون في شؤون التنظيمات المتطرفة إلى تحرك عاجل من الحكومة لتنفيذ توصيات تقرير الداخلية بشأن «الإخوان والإسلام السياسي»، وحذروا من أن التساهل أو التأخير في المعالجة المؤسسية يشكّلان تهديدًا مباشرًا للعلمانية ووحدة الجمهورية الفرنسية.

ورغم صدور التقرير رسميًا، فإن غياب خطة تنفيذية واضحة أثار استغراب العديد من المتخصصين، خصوصًا في ظل ما وصفوه بـ«لغة ملغومة وفضفاضة» لا ترقى إلى مستوى التحديات الأمنية والأيديولوجية المطروحة.

تقرير رسمي مثير للذجدل

في الثاني من مايو/أيار، أصدرت وزارة الداخلية الفرنسية تقريرًا طال انتظاره بعنوان «الإخوان المسلمون والإسلام السياسي في فرنسا».

وعلى الرغم من اعترافه بخطورة التغلغل الأيديولوجي للإسلام السياسي، خصوصًا المتمثل بتنظيم الإخوان في قطاعات متعددة من المجتمع الفرنسي، من الجامعات إلى الجمعيات، فإن التقرير لم يقدّم خطة تنفيذية واضحة، ولا يشير إلى استراتيجية مؤسسية شاملة لمواجهة هذا التغلغل.

ويرى محللون أن التقرير بدا وكأنه محاولة للخروج من حالة إنكار مزمنة استمرت لعقود، تجاه اختراق «الإخوان» لمؤسسات الدولة، لكنه انتهى إلى توصيات مبهمة، تكرّس المراوغة السياسية أكثر من تقديم حلول جذرية.

دلفال: نخشى من «استرضاء تكتيكي» 

واعتبر الباحث الفرنسي المتخصص في شؤون التنظيمات المتطرفة، ألكسندر دلفال، أن التقرير يمثّل «خطوة أولى جيدة، لكنها ناقصة وخطيرة إن لم تُترجم إلى إجراءات ملموسة».

وأضاف دلفال في حديث لـ«العين الإخبارية»: «يبدو أن هناك إرادة داخل بعض أوساط الدولة لخلق نموذج شبيه بـ(الإسلام البريطاني)، عبر ما يسمى (الطريق الثالث للعلمانية)، وهو تصور يكرّس التمييز الديني من حيث لا يدري.. هذا تساهل تكتيكي يشبه الاسترضاء، لكنه يهدد بالتحول إلى تنازل أيديولوجي خطير».

وتابع: «فرنسا دولة تقوم على مبدأ الفرد المواطن، لا على الجماعات. والاعتراف السياسي الضمني بالجماعات الدينية ككيانات تفاوضية، كما يوحي التقرير، يجرّ الدولة إلى فخ الطائفية المؤسسية».

بونيه: التقرير يتجاهل جوهر مشروع «الإخوان» 

من جهتها، وصفت الباحثة في العلوم السياسية وشؤون التطرف، كلارا بونيه، التقرير بأنه «محاولة غير مكتملة لتسمية الخطر، لكنها تتوقف عند خطوط حمراء وهمية».

وأضافت: «توصيات مثل تعزيز تعليم اللغة العربية أو توسيع المقابر الإسلامية قد تكون إجراءات خدمية، لكنها تتحول إلى رموز رسائلية خاطئة في السياق الحالي.. التقرير فشل في تعريف واضح لمشروع الإخوان في فرنسا: مشروع سياسي بغطاء ديني، وليس مجرد نشاط ثقافي أو خيري».

ورأت أن التقرير «ينزلق أحيانًا نحو تسويق خطاب ضبابي عن (الصداقة المدنية) و(الطريق الثالثة)، دون أي تعريف دستوري أو قانوني واضح».

روسو: التوصيات تناقض وحدة الجمهورية

أما الخبير القانوني جان-فيليب روسو، المتخصص في الدستور الفرنسي وقانون الجمعيات، فاعتبر أن بعض توصيات التقرير تمثل «تناقضًا صريحًا مع مبدأ عدم الاعتراف بالجماعات الدينية».

وقال لـ«العين الإخبارية»: «ما يطرحه التقرير من توصيات، وتشجيع الانخراط السياسي بناءً على الهوية الدينية، ومخاطبة المسلمين ككتلة متجانسة، كلها توجهات تخرق مبدأ الجمهورية الواحدة غير القابلة للتجزئة… إنها مساومات هوياتية تهدد التفكك المجتمعي على المدى البعيد».

أبرز التوصيات «المثيرة للجدل»

تضمّن التقرير دعوة إلى صياغة «طريق ثالث» بين العلمانية الفرنسية والنموذج الأنجلوساكسوني، حيث يمكن لـ”المتدينين”، بحسب تعبيره، أن يلعبوا دورًا أكبر في الحياة العامة.

وذكّرت مجلة «لوبوان» بأن الرئيس إيمانويل ماكرون سبق أن دعا في خطاب له عام 2018، إلى “مشاركة المتدينين” في الشأن السياسي، وهو ما أثار حينها استغرابًا واسعًا في فرنسا، لما يحمله من تقويض لمبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة.

كما يشير التقرير إلى تزايد التأثير الديني-السياسي في الجامعات، دون أن يقترح آليات رقابة فعالة أو دعم جاد للبحث الأكاديمي الذي يكشف هذا الاختراق.

«الإسلاموفوبيا» واعتراف بدولة فلسطين؟

في توصية أثارت موجة من الجدل، يقترح التقرير أن الاعتراف الفرنسي بدولة فلسطين قد يساعد في «تفنيد سردية الإخوان بشأن الإسلاموفوبيا».

واعتبر مراقبون هذا الطرح خلطًا بين السياسة الخارجية واسترضاء داخلي، لا يعالج أصل المشكلة، بل يعمّق التناقضات.

خبراء: التقرير يعالج العرض لا المرض

ويُجمع الخبراء على أن التقرير يعالج أعراض المشكلة دون التصدي للبنية الفكرية العميقة لمشروع الإسلام السياسي العابر للحدود.

ويحذّر ألكسندر دلفال من أن أي تأخير في التحرك سيمنح «الإخوان» شرعية ناعمة داخل المؤسسات، ويحوّل فرنسا إلى «بيئة خصبة للتمدد الهادئ على الطريقة البريطانية».

متى تتحرك الحكومة؟

حتى الآن، لم تعلن الحكومة الفرنسية أي خطة تنفيذية واضحة لتطبيق توصيات التقرير، بينما تستعد دوائر حقوقية ونيابية لإثارة الموضوع مجددًا في البرلمان المقبل، وسط تصاعد حاد في النقاش العام حول مكانة الدين في المجال العام ووحدة الجمهورية في مواجهة مشاريع التغلغل الأيديولوجي باسم الدين.

aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز FR



Source link

‫0 تعليق

اترك تعليقاً