الإمارات والولايات المتحدة.. شراكة استراتيجية لتمكين المرأة الأفغانية

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!



تُعد قضية المرأة الأفغانية إحدى القضايا المحورية والأكثر تعقيدًا في المشهد الأفغاني الراهن، لا سيما في ظل القيود الصارمة التي فرضتها حركة طالبان منذ عودتها إلى سدة الحكم في أغسطس/آب 2021.

لقد أدركت كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية مبكرًا الأهمية الاستراتيجية لهذا الملف، ليس فقط من منظور إنساني وحقوقي، بل باعتباره عنصرًا جوهريًا في مساعي إرساء السلام والاستقرار وتحقيق إعادة بناء شاملة للدولة الأفغانية على أسس من العدالة والمساواة.

في هذا السياق، شهدت الأعوام الثلاثة الأخيرة تعزيزًا ملحوظًا في سياسة التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف بين الإمارات والولايات المتحدة لدعم النساء والفتيات الأفغانيات. وقد تجسد هذا التعاون في تفعيل شراكات مباشرة وبرامج تنموية وإنسانية مشتركة، هدفت إلى التصدي للسياسات التقييدية التي تفرضها طالبان على المرأة، وفتح آفاق جديدة لتمكينها وتعزيز حضورها في مختلف مناحي الحياة العامة

برز هذا التفاهم الثنائي عبر محطات متعددة، من بينها الاجتماعات المشتركة والبيانات الثنائية التي أكدت بوضوح على ضرورة وقف كافة أشكال التمييز الممنهج ضد المرأة في أفغانستان، ورفض فرض القيود على حقها في التعليم والعمل والتنقل والمشاركة السياسية. وفي هذا الإطار، أعلنت الإمارات في مناسبات عدة عن تقديم مساهمات مالية وإنسانية داعمة للنساء الأفغانيات، سواء عبر وكالات الأمم المتحدة، لاسيما هيئة الأمم المتحدة للمرأة، أو من خلال برامج تنموية متخصصة نفذتها الدولة مباشرة داخل أفغانستان.

كما أطلقت الإمارات برنامجًا تدريبيًا نوعيًا بالتعاون مع الولايات المتحدة لتعزيز مشاركة المرأة في عمليات حفظ السلام وصناعة القرار الأمني، وقد استفادت منه مئات النساء من دول مختلفة، من بينها أفغانستان. علاوة على ذلك، أولت الإمارات اهتمامًا خاصًا بتحسين الخدمات الصحية للنساء في المناطق الريفية الأفغانية، من خلال تمويل مراكز ولادة وخدمات صحية متخصصة، ما أسهم في تقليل معدلات وفيات الأمهات وتحسين الوضع الصحي للأسر الأكثر احتياجًا

على صعيد المؤتمرات والفعاليات الدولية، برزت الإمارات كمنصة دولية خلال السنوات الأخيرة كمنصة إقليمية ودولية لاستضافة فعاليات حقوقية وإنسانية معنية بالمرأة الأفغانية. ومؤخرًا، استضافت العاصمة أبو ظبي في يوليو/تموز 2025 مؤتمرًا دوليًا متخصصًا حول حقوق المرأة الأفغانية، بمشاركة فاعلة من عدد من الناشطات والسياسيات الأفغانيات البارزات. وقد تقدمت المشاركات الناشطة الحقوقية والسياسية المعروفة فاطمة الكيلاني (Fatima Gailani)، المنحدرة من أسرة ذات مكانة روحانية وسياسية مرموقة في أفغانستان، والتي تتمتع بخبرة واسعة في العمل الإنساني والدبلوماسي.

تولت فاطمة الكيلاني سابقًا رئاسة جمعية الهلال الأحمر الأفغاني، وشاركت ضمن فريق التفاوض الحكومي في محادثات السلام التي جرت في الدوحة. وترأس الكيلاني حاليًا منتدى فكريًا يعنى بمستقبل أفغانستان وحقوق المرأة، وقد أدارت ضمن المؤتمر جلسة نقاشية تناولت واقع المرأة الأفغانية تحت حكم طالبان، وسبل تعزيز مشاركتها في الشأن العام، مع عرض مبادرات تنموية ومقترحات للتعاون مع الدول والمنظمات الدولية.

وقد دعت الكيلاني في كلمتها إلى تكثيف الضغوط السياسية والدبلوماسية الدولية لإعادة فتح المدارس أمام الفتيات، وضمان حقوق النساء في العمل والمشاركة السياسية، مع تحييد كافة أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي. واعتُبرت مشاركتها إحدى أبرز محطات المؤتمر، الذي حظي بحضور رسمي إماراتي ودولي رفيع، وأسفر عن توصيات لتعزيز وتوسيع الشراكات التنموية والإنسانية المخصصة لدعم المرأة الأفغانية.

التنسيق الدبلوماسي والمبادرات الاقتصادية

دبلوماسيًا، نسّقت الإمارات والولايات المتحدة مواقفهما داخل مجلس الأمن والأمم المتحدة لدفع المجتمع الدولي نحو تبني موقف أكثر صرامة حيال الانتهاكات الممارسة بحق المرأة الأفغانية. ففي أبريل 2023، قادت الإمارات بالتعاون مع اليابان مشروع قرار أممي يدين القيود المفروضة على عمل موظفات الأمم المتحدة في أفغانستان، بدعم أمريكي لافت، ما عكس متانة التنسيق الاستراتيجي بين الدولتين في هذا الملف. وقد أسهمت الدولتان بفعالية في تنظيم مؤتمرات ولقاءات دولية سلطت الضوء على معاناة المرأة الأفغانية، وعززت حضورها في مشاريع السلام والتنمية.

وعلى الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، أطلقت الإمارات مبادرة “سجادة السلام”، التي وفرت آلاف فرص العمل في صناعة السجاد التقليدي للنساء في المناطق الريفية الأفغانية، بدعم لوجستي وتسويقي من الولايات المتحدة. وقد انعكس ذلك إيجابًا على الأوضاع المعيشية لمئات الأسر الأفغانية.

رؤية استراتيجية ومسار للمستقبل

إن هذا التعاون المتنامي بين أبو ظبي وواشنطن يجسد قناعة استراتيجية راسخة بأن دعم المرأة الأفغانية لا يقتصر على كونه ضرورة إنسانية وأخلاقية فحسب، بل يشكل شرطًا أساسيًا لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في أفغانستان. فحرمان نصف المجتمع من حقه في التعليم والعمل والمشاركة في صناعة القرار من شأنه أن يعمّق هشاشة المجتمع، ويهدد أي فرص لتعافيه السياسي والاجتماعي الشامل.

وعليه، بات دعم المرأة الأفغانية أحد الثوابت الحاكمة في السياسة الخارجية لكل من الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة تجاه أفغانستان، وركيزة أساسية لأي مشروع دولي يسعى لمعالجة الامر في المجتمع الأفغاني. ومن المنتظر أن يسهم استمرار هذا التعاون وتوسيع نطاقه في إحداث أثر ملموس في تحسين أوضاع النساء والفتيات الأفغانيات، خاصة إذا ما اقترن بضغط سياسي ودبلوماسي دولي متواصل لإعادة فتح المدارس أمام الفتيات، وضمان حقوق النساء في العمل والمشاركة السياسية، ومكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي.

وسط تعقيدات المشهد الأفغاني، تؤكد الشراكة بين أبوظبي وواشنطن أهمية المبادرات التنموية والإنسانية في دعم النساء وبث الأمل. ويوجّه هذا التعاون رسالة واضحة إلى كابول بأن مستقبل أفغانستان مرتبط ارتباطًا وثيقًا بتمكين المرأة وضمان حقوقها. كما يدعو المجتمع الدولي إلى تكثيف الدعم وممارسة ضغط سياسي ودبلوماسي فاعل لتحقيق ذلك، إذ إن تجاهل هذه القضية لا يُعدّ فشلًا أخلاقيًا فحسب، بل يشكّل أيضًا تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمي والدولي.

الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة



Source link

‫0 تعليق

اترك تعليقاً