باريس في حالة تأهب قصوى هذه الأيام مع اجتياح موجة حر شديدة القارة الأوروبية، وشهدت إسبانيا شهر يونيو الأكثر حرارة على الإطلاق، وسجلت البرتغال درجات حرارة تصل إلى 47 درجة مئوية، وأبلغت إيطاليا وفرنسا بالفعل عن وفيات مرتبطة بالحر، مع تحذير المراقبين من موجات مماثلة في المستقبل.
هذه بالطبع ليست المرة الأولى التي تشعر فيها أوروبا بالحر، ولن تكون الأخيرة، فقد قدرت دراسة أجراها معهد برشلونة للصحة العالمية أن ما يقرب من 50 ألف شخص لقوا حتفهم بسبب موجات الحر في القارة عام 2023. وتتوقع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن تستمر درجات الحرارة العالمية عند مستويات قياسية أو قريبة منها خلال السنوات الخمس المقبلة.
ومع أن مكيفات الهواء المنزلية غير مرغوبة في فرنسا وترفضها الثقافة المحلية بشدة، فإن الفرنسيين الرافضين للتغيير بدأوا يعيدون النظر، وقالت أم فرنسية إنها اشترت وحدة تكييف هواء صغيرة أثناء حملها، وقالت أخرى إنها نزلت إلى القبو لإخراج جهاز تكييف محمول كانت قد اشترته من برشلونة.
ومع ذلك فالكثير من الفرنسيين يرون أن المكيفات حل مركب وذو آثار مدمرة على البيئة، فالاستخدام الواسع لمكيفات الهواء يرفع درجات الحرارة ويفاقم أزمة المناخ، ووفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة قد يعرض ذلك ما يصل إلى ثلاثة أرباع الكوكب لدرجات حرارة مرتفعة بشكل خطير بحلول عام 2100، ولابد من حلول أخرى.
وتعد فرنسا وأجزاء أخرى كثيرة من أوروبا بحاجة ماسة إلى عزل أفضل للمدارس والمستشفيات والمباني العامة، كما أنها بحاجة إلى المزيد من السيارات الكهربائية، وزراعة المزيد من الأشجار وحدائق الأسطح، وإنشاء المزيد من الحدائق.
وتدرك حكومات أوروبا هذا، وقد بدأت البنية التحتية الجديدة تؤتي ثمار التحول البيئي، لكن في هذه الأثناء يعاني الأوروبيون، ومباني الشقق الساحرة في باريس التي تعود إلى القرنين التاسع عشر والثامن عشر من المستحيل الحفاظ على برودتها.
وتظهر الدراسات الحديثة أن أكثر من 5 ملايين مسكن رئيس في فرنسا (أكثر من 1 من كل 10) العزل فيها سيئ، وقد اشتكى سكان بعض الشقق من درجات حرارة خانقة تصل إلى 41 درجة مئوية.
وخلال الأسبوع الماضي أُغلقت مئات المدارس في فرنسا لعدم قدرتها على تبريد أجوائها، واقترحت مؤسسات تعليمية أخرى على الآباء إبقاء أطفالهم في المنزل، ولا يحتاج المرء إلى أن يكون بارعاً في الرياضيات لفهم التأثير الضار على الاقتصاد الفرنسي لغياب كل هؤلاء الآباء عن العمل لمدة ثلاثة أيام، وبقائهم في البيت لرعاية أطفالهم.
ويتساءل البعض عما إذا كان بالإمكان تجنب كل هذا بتزويد المدارس بمراوح.
وتفعل بلدة بالقرب من ليون ذلك تماماً وتختبر شيئاً قد يجده الأميركيون بديهياً للغاية: مراوح السقف، وعلى مدار العامين الماضيين أفادت التقارير بأن شركة «فينيسيو» قامت بتركيب 150 مروحة في نحو 30 مبنى حول البلدة. ويقول الخبراء إنها تستهلك كهرباء أقل بـ40 مرة من مكيفات الهواء مع توفير مماثل في الكلفة.
وفي مكتبة مدرسية شيدت حديثاً قام المسؤولون بتطبيق فكرة المراوح.
وهذا دليل آخر على أن أوروبا لديها المعرفة لاتخاذ خيارات أفضل، وعليها فقط أن تواصل العمل، وسيكون التحدي الأكبر الذي تواجهه هو تحديث البنية التحتية الحالية، ومع أنها تاريخية وجميلة، فإنها تستهلك الطاقة بشكل مزعج. عن «كريستيان ساينس مونيتور»
حلول إبداعية
إذا كانت توقعات الطقس صحيحة فمن المتوقع أن تشهد فرنسا وبقية أوروبا بعض الراحة، خلال الأيام القليلة المقبلة، إلى ذلك الحين يواصل الفرنسيون إبداعهم، وهذا الأسبوع جرّب السكان العديد من الحلول من غمر الأرضية بالماء البارد وتركه بعض الوقت، إلى ملء أوعية بمكعبات الثلج ووضعها أمام المراوح.
في هذه المرحلة يبدو السكان مستعدين لتجربة أي شيء، وفي هذه الأثناء لا يتردد البعض في البقاء بجناح الأطعمة المجمدة في المحال لبعض الوقت لتبريد أجسامهم.
• فرنسا وأجزاء أخرى من أوروبا بحاجة ماسة إلى عزل أفضل للمدارس والمستشفيات والمباني العامة.