الموارد الطبيعية الصحراوية والقانون الدولي
إن البحوث والاكتشافات التي تم القيام بها في الصحراء الغربية منذ النصف الأول من القرن الماضي أكدت أن هذه الأراضي تحتوي على ثروة هائلة من الموارد الطبيعية وهو ما جعل منها منطقة اهتمام للدول والشركات الاحتكارية العالمية. ومن المؤسف جدا أن المستفيد الأول من استغلال هذه الثروات طيلة الحقب الزمنية الماضية هو القوى الاستعمارية أو القوى الغازية أو كلاهما معا.
ومنذ أن أبرمت اتفاقية مدريد في 14 نوفمبر 1975 وسلمت بموجبها إسبانيا (القوة الاستعمارية آنذاك) إدارة الإقليم إلى قوى غازية (المغرب وموريتانيا) ، أصبحت الصحراء الغربية إقليما تحت بطش غزاة جدد، شغلهم الشاغل هو حصد ما يمكن حصده من أرباح على حساب الشعب الصحراوي، مع العلم أن كلما منحته اتفاقية مدريد هي سلطات إدارة الإقليم ولم تمنح السيادة على البلد. وبهذا تكون هذه الدول الثلاث، التي تنتمي لحظيرة الأمم المتحدة، قد قامت بعمل يعتبر سابقة خطيرة في التاريخ وتحديا سافرا لقرارات الأمم المتحدة القائلة بتقرير مصير الشعوب وخصوصا القرار رقم 1514 الصادر في 14 ديسمبر 1960 والقرارات اللاحقة التي تنص على تنظيم استفتاء حر ونزيه وشفاف في الصحراء الغربية. وقد أكدت محكمة العدل الدولية في لاهاي في رأيها الاستشاري، الذي أصدرته في أكتوبر 1975، حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره واستقلاله، مع العلم أن الصحراويين أظهروا تمسكم القوي بحقهم في الحرية والاستقلال أمام لجنة تقصي الحقائق الأممية التي زارت المنطقة مايو-يونيو 1975.
وما دام الشعب الصحراوي لم يمارس حقه في تقرير المصير، فإن أي استغلال لثرواته لا يصح إلا بموافقته، مما جعل الشركات الأجنبية، المتعاقدة مع المغرب (القوى الغازية والمحتلة للبلد)، والتي تقوم باستكشافات أو استغلال الموارد الطبيعية في الصحراء الغربية تواجه إشكالاً قانونيا. وفي هذا الصياغ أكدت الأمم المتحدة على لسان مستشارها القانوني السيد هانس كوريلل بتاريخ 29 يناير 2002 أن الصحراء الغربية تعتبر إقليماً لم تستكمل فيه تصفية الاستعمار وأن أي استغلال لثرواته الطبيعية بدون موافقة السكان الأصليين (الصحراويين) يعد منافيا لروح ميثاق الأمم المتحدة ومبادئها ومعرقلا في نفس الوقت لإنماء التعاون الدولي وصيانة السلم، علما أن كل ما أفتى به السيد هانس كوريلل ما هو إلا خلاصة لسلسة من القرارات بدأت بإصدارها الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ العام 1952، مؤكدة إياها في قرارها الشهير رقم 1803 (د-17) المؤرخ في 14 ديسمبر 1962 والمعنون «السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية». هذا القرار نصت فيه الجمعية العامة وبشكل صريح على أن انتهاك حقوق الشعوب والدول في السيادة على ثرواتها ومواردها الطبيعية، يشكل مخالفة لروح ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ويعرقل نمو التعاون الدولي وحفظ السلام، كما أكدت أن أي تنقيب عن الموارد وإنمائها والتصرف فيها، وكذلك استيراد رأس المال الأجنبي اللازم لهذه الأغراض ينبغي أن يتم طبقا للقواعد والشروط التي ترى الشعوب والأمم بمطلق حريتها أنها ضرورية أو مستحسنة على صعيد الترخيص بتلك الأنشطة أو تنفيذها أو حظرها [2].
من هنا يتضح أنه من اللازم أن تتم ممارسة حق الشعوب والأمم في السيادة التامة على ثرواتها ومواردها الطبيعية وفقا لمصلحة تنميتها القومية ورفاه شعب الدولة المعنية، كما يظهر جليا أن كلما تطلب الأمم المتحدة وتلح عليه في أدبياتها هو فتح المجال أمام الشعوب والدول للتعاون الدولي للنهوض بالتنمية الاقتصادية للبلدان النامية انطلاقا من المصالح المشتركة، المتماشية مع إحكام القوانين المحلية والقانون الدولي.
وبشان الصحراء الغربية أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 2711، الصادر بتاريخ 14 ديسمبر 1970، الذي دعا جميع الدول إلى الامتناع عن إقامة أية استثمارات في الإقليم من أجل الإسراع في تقرير مصير الصحراء الغربية. وفي 4 ديسمبر 1974 صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار مماثل تحت رقم 2283، طلب فيه من جميع الدول الامتثال لقرارات الجمعية العامة بشان نشاطات المصالح الأجنبية الاقتصادية والمالية، وإلى الامتناع عن المساعدة على استمرار الحالة الاستعمارية في الصحراء الغربية بواسطة الاستثمار فيها [1].
وعلى الرغم من جميع القرارات الواردة في هذا الشأن من طرف هيئة الأمم المتحدة فإن الطمع في السيطرة على أراض غنية بمواردها الطبيعية كالبترول والغاز والثروة البحرية والفوسفات وغيرها كان وما زال المحرك الأساسي لأطماع الكثير من الشركات الدولية الكبرى، التي عبدت القوى الاستعمارية والقوى الغازية لها الطريق لاستغلال الموارد الطبيعية في الجزء المحتل من الصحراء الغربية.
الثروة الفوسفاتية الصحراوية في مرمى الشركات الأجنبية
يستخدم الفوسفات في العديد من الصناعات الكيميائية أهمها تحضير عنصر الفسفور وحامض الفسفور، المستعمل في الصناعات التعدينية والحربية والطبية والغذائية والخزفية والنسيج والثقاب. ويذهب معظم الفوسفات المستخرج لصناعة الأسمدة لزيادة المحاصيل الزراعية بالإضافة إلى إمكانية استخراج بعض المعادن النادرة والعناصر المشعة. ومن بين هذه العناصر يوجد اليورانيوم كمنتوج جانبي الذي يمكن الحصول عليه أثناء تحويل الفوسفات إلى أسمدة أو حمض الفسفور. وتحتوى خامات الفوسفات الصحراوية على 200 غرام من اليورانيوم في الطن الواحد [3]. وفي إطار البحث عن الطاقة قامت سلطات الاحتلال المغربية في العام 1982 بفرز اليورانيوم من فوسفات الصحراء الغربية [6].
بعد وقف إطلاق النار في العام 1991 في الصحراء الغربية بدأ المغرب في توسيع علاقاته مع كثير من الدول من خلال دعوتهم للمشاركة في استغلال الثروات الطبيعية الصحراوية وفي الوقت ذاته يكثف من استغلال الفوسفات الصحراوي، لا سيما أن هذا الاستغلال لا يمر دون مشاركة بعض الشركات متعددة الجنسية في مساعدته على تطوير بعض القطاعات الاقتصادية، وبهذا يمكن القول أن هذه الشركات تعتبر مشاركا مباشرا في نهب الثروات الطبيعية الصحراوية، وهو ما شجع المغرب على المزيد من البحث والاكتشافات لمناجم جديدة، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى الاستغلال المفرط للثروات الصحراوية ونفاذها.