مؤتمر واشنطن حول السودان.. الحقيقة الغائبة

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


سياسة

عبد المنعم سليمان


لم يكن تصريح مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الأفريقية، الأسبوع الماضي، بشأن استحالة إنهاء الحرب في السودان عبر الحسم العسكري، مجرد اعتراف متأخر بحقيقة دامغة أثبتتها الوقائع..

بل كان إيذانًا ضمنيًا بتحوّل مرتقب في طريقة تعاطي واشنطن مع واحدة من أعقد أزمات القرن الأفريقي.

فبعد أكثر من عام على اندلاع الحرب، وبلوغها مراحل كارثية من الموت والدمار والتهجير، والانهيار الصحي، والأزمة الإنسانية غير المسبوقة، تتهيّأ العاصمة الأمريكية لاحتضان مؤتمر دولي لبحث سبل تحقيق السلام وإنهاء حرب 15 أبريل/نيسان 2023.

لكن، بين السعي الأمريكي لعقد المؤتمر، وبين القدرة على إنتاج حل فعلي وجذري، تبرز فجوة عميقة تتطلب وضوحًا في الرؤية، ولمسًا لحقيقة غائبة – أو مغفَلة عمدًا إقليميًا – وهي الإقرار بأن هذه الحرب لم تنشأ صدفة، بل أُشعلت عمدًا، وبوعي سياسي خبيث، على يد الفاعل الأخطر في المشهد السوداني منذ أكثر من ثلاثة عقود: الحركة الإسلامية السودانية (الإخوان).

لقد مثّل الإسلاميون، الذين تقنّعوا خلف واجهة الجيش، العقلَ المدبّر لانقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، الذي أطاح بالحكومة المدنية بقيادة الدكتور عبد الله حمدوك، وهم اليد التي دفعت قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، إلى تفكيك المرحلة الانتقالية، ثم جرّوا البلاد إلى هاوية الاحتراب الداخلي حين رفضوا أي مخرج سياسي لا يعيدهم إلى الواجهة. فأشعلوا الحرب، من أجل استعادة سلطتهم التي أطاحت بها ثورة الشعب. ولذلك، فإن وقف الحرب لا يكون بمفاوضة أدواتهم وواجهاتهم التي صنعوها، بل بعزلهم، ومطاردتهم، ومحاسبتهم، وتجريدهم من نفوذهم داخل الأجهزة العسكرية والأمنية الرسمية.

ومهما اجتهدت واشنطن في تنسيق المؤتمر، فإن أي عملية سلام حقيقية لن يُكتب لها الاستدامة والنجاح ما لم تبدأ بتشخيص السبب الحقيقي للأزمة: فالصراع ليس بين جنرالين أو مكوّنين عسكريين، بل بين مشروعين؛ أحدهما يسعى إلى بناء دولة سودانية مدنية ديمقراطية حديثة، والآخر يعمل على إعادة إنتاج نظام ديني استبدادي توسعي. وهذا الأخير، للأسف، هو ما يتأسس حالياً في بورتسودان، حيث تتحكم مجموعات الإسلاميين بمفاصل القرار داخل الجيش، رافعةً “لاءاتها” الثلاث أمام أي تسوية: لا تفاوض، لا وقف إطلاق نار، ولا انتقال ديمقراطي.

إن وقف الحرب لا يتحقّق بتقاسم دولة الخراب بين البرهان وحميدتي، بل بتفكيك البنية السياسية والعقائدية والعسكرية التي فجّرت النزاع، وفكّ الارتباط بين المؤسسة العسكرية والإسلاميين، وفرض آلية دولية تراقب هذا المسار وتشرف على تأسيس فترة انتقالية يكون قوامها من القوى الديمقراطية المدنية، تمهيدًا لعدالة انتقالية شاملة، تطول كل من حرّض، أو أمر، أو نفّذ الانقلاب على حكومة الشعب، أو شارك في شنّ الحرب عليه.

المؤتمر الدولي المرتقب في واشنطن، الذي أعلن عنه مستشار ترامب، قد يُشكّل خطوة مهمة في دفع مسار السلام في السودان، لكنه لن يُفضي إلى حل حقيقي ما لم تُفتح الملفات المغلقة، وتُسمَّ الأشياء بمسمياتها: من أشعل الحرب؟ ولماذا؟ ومن يُصرّ على استمرارها؟ ومن يسعى إلى تدويلها؟ ولأي جهة تتبع الكتائب والمليشيات الإسلامية المرتبطة بإيران؟

على الإدارة الأمريكية أن تنطلق من هذه الأسئلة الجوهرية، وأن تعي أن أي مفاوضات لا تبدأ باستبعاد جماعة الإخوان المسلمين، وفكّ ارتباط الجيش بها، والعمل الجاد على تأسيس جيش وطني مهني جديد يقوم على عقيدة وطنية لا أيديولوجية، لن تُنتج أمنًا ولا سلامًا، بل ستُكرّس تهديدًا متناميًا لمستقبل السودان، وللاستقرار الإقليمي برمّته في المستقبل القريب.

مقالات ذات صلة

الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة



Source link

‫0 تعليق

اترك تعليقاً