شهد القطاع العقاري في مصر تحولات جوهرية خلال السنوات القليلة الماضية، انعكست تداعياتها بشكل مباشر على كل من المستثمرين والمشترين.
دفعت المتغيرات الاقتصادية الراهنة العديد من شركات التطوير العقاري إلى تعديل سياسات البيع والتقسيط، مما أوجد مفارقات وتحديات جديدة في السوق.
مع اختفاء السوق السوداء للعملة وانخفاض سعر الدولار إلى نحو 49.5 جنيهًا مصريًا (ما يعادل 1 دولار أمريكي)، اتجه المطورون العقاريون إلى تقديم تسهيلات موسعة في السداد، وصلت مددها في بعض الحالات إلى 12 عامًا، بعدما كانت لا تتجاوز 6 سنوات في الماضي. هذه الخطوة، وإن كانت إيجابية للعملاء الجدد، أوجدت مفارقة كبيرة لبعض مالكي الوحدات الذين وجدوا أنفسهم في موقف غير متكافئ.
فقد اشترى هؤلاء عقاراتهم على أساس سعر صرف مرتفع، وبأقساط قصيرة المدى، دون أن تطبق عليهم التسهيلات المستحدثة.
تعود جذور هذه الأزمة إلى الربع الأخير من عام 2023 والربع الأول من عام 2024، حين بلغ سعر الدولار في السوق الموازية نحو 72 جنيهًا مصريًا (ما يعادل 1.45 دولار أمريكي)، وهو ما دفع المطورين إلى تسعير المشروعات وكأن الدولار يساوي 100 جنيه مصري (ما يعادل 2.02 دولار أمريكي)، تحسبًا لأي زيادات محتملة.
أدى ذلك إلى قفزة كبيرة في أسعار العقارات آنذاك، ومع استقرار الأسعار لاحقًا بعد تراجع الدولار، وجد العديد من العملاء الذين اشتروا في ذروة الأزمة أنفسهم يواجهون عبئًا ماليًا ضخمًا، إذ التزموا بأقساط عالية دون أن يحصلوا على أي تخفيض أو مد في مدة السداد من الشركات المطورة، بينما طرحت الشركات نفس المشروعات بأقساط طويلة تصل إلى 12 سنة لجذب شرائح جديدة.
في ظل هذا التفاوت، لجأ العديد من هؤلاء العملاء المتضررين إلى إنشاء صفحات على موقع “فيسبوك” لتجميع المتضررين ومشاركة تجاربهم ومحاولة إعادة بيع وحداتهم، أغلبهم اشتروا في مارس/آذار 2024، بأقساط تمتد من 7 إلى 8 سنوات، ويحاولون اليوم التخلص من هذه الوحدات، حتى وإن كان ذلك يعني البيع بخسارة، فقط لتخفيف الأعباء المتراكمة.
محاور رئيسية تؤثر على السوق العقاري
رصد تقرير “ذا بورد كونسلتنج” أهم 5 محاور ستؤثر على حركة السوق العقاري في مصر خلال عام 2025، والتي تتضمن مخاوف وحوافز تتنوع بين تغيرات على الصعيد الداخلي، وأخرى مرتبطة بالوضع الخارجي:
الوضع الإقليمي والعالمي: يشير التقرير إلى أن عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المسرح العالمي تثير حالة من عدم اليقين بشأن مخاطر الحرب والتحولات في سياسة الولايات المتحدة، خاصة في ملفي التجارة والمساعدات. هذه التغيرات تشكل تهديدات على الاقتصاد المصري من حيث مناخ الاستثمار واستقرار العملة.
تخفيضات أسعار الفائدة: من المتوقع أن يقوم البنك المركزي المصري بتخفيض أسعار الفائدة بنسبة 2% في المدى القريب، مع الوصول إلى نسبة خفض تتراوح بين 16% و18% بحلول نهاية العام. سيؤدي ذلك إلى تحفيز الاستثمار والنمو الاقتصادي، مما يعيد تشكيل ديناميكيات سوق العقارات في مصر.
العروض الاستثنائية وتشغيل السوق العقاري: يتوقع التقرير اشتعال المنافسة بين الشركات العقارية، بعد تباطؤ كبير في السوق. هذه العروض الترويجية الاستثنائية، مثل تلك التي أطلقتها شركات كـ”بالم هيلز” التي حققت مبيعات ضخمة بقيمة 40 مليار جنيه مصري (ما يعادل 808 ملايين دولار أمريكي) في شهر واحد، ستساهم في تنشيط السوق بشكل كبير.
التوسع الحكومي والمنافسة بين المناطق: يخلق التوسع غير المسبوق الذي تقوده الحكومة في مناطق مثل طريق السويس، مدينة مستقبل سيتي، والتجمع السادس، والعاصمة الإدارية الجديدة، منافسة كبيرة بين هذه المناطق.
تصدير العقارات وتعزيز الخطط الدولية: لا يزال سوق العقارات في مصر لديه إمكانات غير مستغلة على الصعيد الدولي، حيث لا تحصل مصر سوى على 0.25% فقط من سوق تصدير العقارات العالمية. لذا، هناك آمال كبيرة معقودة على الحكومة لتشجيع تصدير العقارات، مما سيسهم في تعزيز السوق المصري.
تحولات السوق في 2024 وتأثير موسم الساحل
شهد السوق العقاري في عام 2024 تحولات كبيرة، أبرزها زيادة معدلات الإلغاء بسبب المضاربين الذين خلقوا طلبًا مزيفًا، في نفس الوقت، تزايد اهتمام المصريين العاملين بالخارج في الاستثمار العقاري بمصر، خصوصًا في دولة الإمارات واليونان وإسبانيا.
وأدى موسم الساحل الشمالي إلى انتعاش السوق العقاري، حيث تحققت مبيعات غير مسبوقة، خاصة بعد الإعلان عن مشروع رأس الحكمة العملاق، وعلى الرغم من تباطؤ السوق في نهاية العام، إلا أن الهدوء النسبي في أسعار الصرف جلب استقرارًا اقتصاديًا.
العقار.. الملاذ الآمن للاستثمار في ظل التحديات
يرى خبراء التطوير العقاري أن العقار لا يزال الاستثمار الأكثر جاذبية واستقرارًا، إذ لا يتأثر سريعًا بتقلبات الأسواق مثل الذهب أو البورصة، ويمنح المستثمر فرصة مزدوجة بين تعظيم الأرباح من إعادة البيع أو تحقيق دخل شهري من الإيجار، خاصة مع تحوّل شريحة من الراغبين في التملك نحو الإيجار نتيجة ارتفاع الأسعار.
ويتوقع مطورون أن ترتفع أسعار العقارات بنسبة تصل إلى 20% خلال العام الجاري، ما يجعل من دخول السوق الآن فرصة استثمارية واعدة لمن يبحث عن الربح الآمن والمضمون، في وقت تزداد فيه الحاجة إلى السكن نتيجة الزيادة السكانية المستمرة.
يؤكد المهندس هاني العسال، وكيل غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات، أن السوق العقاري يعتبر الجاذب الأول لأموال المصريين سواء في الداخل أو الخارج، ويعزو ذلك إلى زيادة الطلب المحلي، مشيرًا إلى وجود أكثر من مليون عقد زواج سنويًا، مما يجعل السوق العقاري أرضًا خصبة لتحقيق الأرباح.
ويضيف العسال أن السوق العقاري سيظل آمنًا على الرغم من وجود العديد من المشاكل التي تسببت في ركود نسبي، إلا أن قدوم الصيف أعاد الرواج مرة أخرى إلى العقار، بالإضافة إلى قيام البنك المركزي بخفض الفائدة بشكل متتالي. ويتوقع العسال أن يشهد السوق العقاري زيادة في الأسعار بنسبة تقترب من 20%، مما يجعل العقار جاذبًا للاستثمار في كل مكان وزمان، مشيرًا إلى أن خفض الفائدة سيستقطب شريحة كبيرة من المستثمرين في الشهادات إلى السوق.
و قال المستشار أسامة سعد الدين، المدير التنفيذي لغرفة صناعة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية، إن العقار سيظل الأكثر جذبًا للاستثمار، موضحًا أن الاستثمار العقاري يكون الوجهة الأولى في حالة النظر للمدى البعيد.
ويضيف سعد الدين أن العقار يعتبر أفضل مخزون للقيمة والأرباح تتضاعف به مع مرور الوقت رغم كل العوامل والاضطرابات التي تحدث من ارتفاع أسعار مواد البناء والتضخم وتغيرات السياسات النقدية. ويوضح أن العقار يعتبر أفضل وسيلة لحفظ القيمة في الوقت الحالي، خصوصًا في ظل انخفاض قيمة العملة وارتفاع معدلات التضخم، الأمر الذي يترتب عليه لجوء المستثمرين للعقار كملاذ آمن، بالإضافة إلى استمرار الطلب والزيادة السكانية المستمرة، والحاجة للسكن، مما يجعل العقار أفضل وسيلة لتحقيق الربح.
ويشير سعد الدين إلى أن استمرار البنك المركزي المصري في خفض الفائدة، جعل العائد الحقيقي من شهادات الادخار أقل جاذبية، مما يزيد اهتمام شريحة كبيرة من المواطنين بالسوق العقاري كخيار أفضل للاستثمار. ومع ذلك، يواجه السوق بعض التحديات مثل تراجع القدرة الشرائية للمواطنين بسبب ارتفاع أسعار العقارات مع ضعف الدخول، مما أدى إلى تباطؤ حركة البيع، خاصة في الطبقة المتوسطة، بالإضافة إلى الارتفاعات المستمرة في أسعار الذهب، مما جعله منافسًا شرسًا للاستثمار العقاري. ويؤكد سعد الدين أنه من المستحيل أن يأتي وقت تتجه فيه الأسعار نحو الانخفاض، والسبب يرجع إلى زيادة الطلب وقلة المعروض داخل السوق، مؤكدًا أن العقار لن يفقد بريقه وهو أفضل وسيلة استثمارية في الأوقات الحالية.
من جانبه، أكد المهندس علاء فكري، نائب أول رئيس لجنة التطوير العقاري بجمعية رجال الأعمال المصريين، أن العقار سيظل أحد أقوى أدوات الاستثمار في مصر، بشرط اختيار التوقيت والموقع المناسبين، معتبرًا أن الفرص لا تزال قائمة ولكنها تحتاج إلى دراسة دقيقة واتجاه نحو الاستثمار متوسط وطويل الأجل بدلًا من المضاربات السريعة. ويضيف فكري أنه على الرغم من التحديات مثل ارتفاع أسعار المواد الخام وتكلفة البناء، إلا أن المستثمرين ما زالوا يعتبرون العقار وسيلة فعالة للتحوط من تقلبات العملة، خاصة مع تراجع الجنيه أمام العملات الأجنبية، وهو ما يضيف قيمة إضافية للعقار عند إعادة البيع أو التأجير.
ويتفق إبراهيم عبدالمنعم، رئيس إحدى شركات التسويق العقاري، مع الرأي القائل بأن الاستثمار العقاري سيظل يحتفظ ببريقه على مر العقود وهو أفضل مخزون للأموال وللاستثمار سواء كان سكنيًا أو إيجارًا.
ويتوقع عبدالمنعم أن تشهد الأيام المقبلة حالة من الرواج في السوق العقاري في ظل ما يحدث في المنطقة والعالم من صراع، وبناء على ذلك يعتبر السوق العقاري الأكثر جذبًا لأنه لا يتأثر بالتغيرات المحيطة ويوفر دخلًا شهريًا ثابتًا في حالة الإيجار.
ويتوقع عبدالمنعم أن يشهد السوق العقاري ضخًا كبيرًا للأموال من الدول المحيطة بسبب الصراع الدائر في المنطقة، بالإضافة إلى أن الموسم الصيفي يحمل حالة من الرواج مدعومًا من المصريين بالخارج ودول الخليج، مؤكدًا أن الوقت مناسب جدًا للاستثمار في العقار. ويضيف أن الأرباح الناتجة عن الاستثمار في العقار أكبر بكثير مقارنة بالاستثمارات الأخرى مثل الشهادات الادخارية والذهب، متوقعًا أنه في حالة إقدام المواطن المستثمر على شراء عقار في الوقت الحالي سوف تصل نسبة الربح منه خلال نهاية العام إلى ما يقرب من 20%.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg
جزيرة ام اند امز