عنوان المقال ليس لي، بل للنَّاقد الأكاديميِّ والإعلاميِّ الصديق الدكتور عثمان الصيني، في كتابه الصادر حديثًا، بعنوان «سيرة مَن رَأى»، وهو كتاب يُسجِّل كثيرًا من زوايا ومضان الثقافة والتاريخ لمدينتي الأثيرة الطَّائف الأنيس، حيث يقول فيه عن النادي: «بأنَّه صبغ الحياة الثقافيَّة في الطَّائف بصبغته، ومثَّل لونًا مختلفًا ومتمايزًا عن ألوان الثقافة الأُخْرى».
النادي أسَّسه طلاب مدرسة دار التوحيد، المدرسة الفريدة التي هي هِبةُ الملك عبدالعزيز -طيَّب اللهُ ثرَاهُ- حين فكَّر -ببُعد نظرِه- بإيجاد مدرسة في منطقة وسط بين نجد والحجاز، تؤدِّي إلى تغييرٍ كليٍّ لمفهوم التعليم النظاميِّ لدى أبناء نجد والقصيم، فأمر -رحمه الله- في عام 1364هـ بتأسيس المدرسة في مدينة الطَّائف، كانت بسكنٍ داخليٍّ، ومعظم طلابها من أبناء نجد والقصيم، ومن أهدافها -كما يقول الشيخ محمد بن جبير، رئيس مجلس الشورى الأسبق، وهو من أوائل الطلاب وخرِّيجي المدرسة-: «كان من أهداف المدرسة تخريج دعاةٍ وقضاةٍ».
كانت مناهج المدرسة -وقد درستُ بها مرحلتَي المتوسط والثانوي- تُعنى بمواد الثقافة الإسلاميَّة، واللغة العربيَّة وأدابها وبلاغتها، ولهذا برع طلابها في هذين المجالين، فأصبحوا من أوائل الأدباء والعلماء في المملكة، وهو ما يؤكِّده الشيخ ابن جبير بقوله: «تخرَّج في دار التوحيد علماء أجلَّاء، ورجال شريعة، وأدباء، وأساتذة كان لهم الدور الرئيس في وضع اللَّبنات الأُولى لتنمية بلادنا الغالية في كافَّة المجالات».
نادي دار التوحيد الأدبي، كما قول الدكتور عثمان: «سبق تأسيس الأندية الأدبيَّة بنحو ثلاثة عقود نتاجًا لأربعة عوامل، أسهمت في خروجه إلى النور، أوَّلها الثقافة الشفويَّة المترعة بالشِّعر، والجو الأنيس لعلاقات الأساتذة مع الطلاب، والليالي الطويلة التي يقضيها الطلاب في السكن الداخليِّ، وتناغم أصوات الخطباء والشعراء في الأمسيات التي تقيمها المدرسة، والتي كان يحضرها أعيان الطَّائف، وأميرها، ومدير المعارف».
كانت المدرسة بمراحلها المتوسطة والثانوية فريدةً في التعليم في المملكة، ولكن -مع الأسف- لم تعدُ كما أرادها مؤسِّسها الملك عبدالعزيز، حيث جعلتها وزارة التعليم مثلها مثل بقية مدارسها المتوسطة والثانويَّة، وانتهى بذلك نموذج فريد.