من نيكسون إلى ترامب.. كيف تهدد سياسات أمريكا النظام المالي العالمي؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!



يشهد الدولار تحديات عديدة على رأس النظام المالي العالمي.

في تاريخ الاضطرابات التي شهدها نظام أسعار الصرف العالمي، يُعد الرئيس الأمريكي الأسبق الراحل ريتشارد نيكسون أحد أبرز الشخصيات التي غيرت قواعد اللعبة -والآن، في ولايته الثانية، يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسير على خطاه. ففي عام 1971، قرر نيكسون تعليق قابلية تحويل الدولار الأمريكي إلى الذهب، مما أدى إلى انهيار نظام “بريتون وودز” النقدي، ومهّد الطريق لعقدٍ من التضخم المرتفع، والنمو الضعيف، وتراجع قوة الدولار. ورغم أن نتائج السياسات الاقتصادية الدولية لترامب لم تتضح بعد، فإن حروبه التجارية واقتراحاته المثيرة للجدل قد تجعل الدولار والنمو العالمي والتضخم ضحايا مجددًا.

ووفقا لتقرير لمجلة “فورين بولسي” واجه نيكسون، مثل ترامب، تحديات متصاعدة للنظام القائم على هيمنة الدولار، حتى قبل أن يتخذ قراره بتفكيك المنظومة. ففي عام 1944، اجتمعت القوى الحليفة في بريتون وودز، بولاية نيوهامشير، لوضع أسس النظام المالي العالمي بعد الحرب. واقترح الخبير الاقتصادي البريطاني الشهير جون ماينارد كينز اعتماد عملة دولية جديدة تُدعى “البانكور”، لكن الولايات المتحدة، بصفتها القوة الاقتصادية العظمى حينذاك، فرضت هيمنة الدولار على النظام الجديد.

قرار تاريخي

ونظام بريتون وودز ربط عملات الدول الكبرى بالدولار، وربط الدولار نفسه بالذهب عند سعر ثابت قدره 35 دولارًا للأونصة. وكانت الدول تحتفظ باحتياطيات من الدولار للدفاع عن أسعار صرفها الثابتة، بينما وعدت الولايات المتحدة بتحويل تلك الدولارات إلى ذهب عند الطلب. عمل هذا النظام بكفاءة لعدة عقود، وأسهم في تحقيق نمو اقتصادي كبير.

لكن النظام كان يعاني من خلل بنيوي. فمع نمو الاقتصادات الأوروبية واليابانية، زاد اعتمادها على الدولار، ما دفع الولايات المتحدة إلى إصدار المزيد من الديون لتلبية الطلب. غير أن احتياطيات الذهب الأمريكية لم تنمُ بالمعدل نفسه، ما أضعف الغطاء الذهبي للدولار. وأشار الاقتصادي الأمريكي روبرت تريفين إلى هذه المشكلة عام 1959، محذرًا من أن فقدان الثقة في الدولار قد يؤدي إلى ما يشبه “الركض على البنك”، يُسرّع بانهيار النظام.

وقد استغرق تحقق نبوءة تريفين أكثر من عقد، لأن النظام كان لا يزال يخدم مصالح معظم الدول. لكن مع مرور الوقت، بدأت الضغوط تتزايد، خصوصًا مع بروز التضخم في الولايات المتحدة نتيجة إنفاق الحكومة على برامج “المجتمع العظيم” للرئيس ليندون جونسون وحرب فيتنام. وبالرغم من أن التضخم كان خفيفًا في البداية، فقد أضعف من القوة الشرائية للدولار وجعل السعر الرسمي للذهب يبدو زهيدًا.

وبدأت بعض الدول، وعلى رأسها فرنسا، في المطالبة بتحويل الدولارات إلى ذهب. وحين أصبح الوضع لا يُحتمل، قرر نيكسون إنهاء القابلية للتحويل عام 1971. وذهب وزير الخزانة جون كونالي إلى روما لشرح القرار لحلفاء غاضبين، وقال لهم عبارته الشهيرة: “الدولار عملتنا، لكنه مشكلتكم”.

لكن ما لم يدركه نيكسون وكونالي هو أن هذه كانت أيضًا مشكلة أمريكية. فقد شهدت السبعينيات عقدًا صعبًا: تباطأ النمو، وبلغ التضخم مستويات خانقة، متجاوزًا 14%. كما أن فقدان ربط الدولار بالذهب أزال عنصر الانضباط المالي، مما ساهم في حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي.

خطى مشابهة

واليوم، يعتقد كثير من الاقتصاديين أن ترامب يسير على طريق مشابه. فقد استلم رئاسته الثانية واقتصاد بلاده قوي نسبيًا، لكنه واجه تضخمًا مرتفعًا بعد الجائحة. ثم بدأ سلسلة من الحروب التجارية مع الصين ودول أخرى، ما زاد من القلق العالمي. إلى جانب ذلك، فإن سياساته الأخرى -تقويض سيادة القانون، مهاجمة الجامعات البحثية، تقييد الهجرة، والانغلاق التجاري- كلها تضعف الثقة الدولية في أمريكا.

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو اقتراح “اتفاق مار-آ-لاغو” الذي صاغه مستشاره الاقتصادي ستيفن ميران. يقترح هذا الاتفاق إصدار سندات مدتها مئة عام لا تدفع فوائد حتى استحقاقها، مما يُعد عمليًا شكلاً من أشكال التخلف عن السداد السيادي. ومهما كان معدل الفائدة على هذه السندات، فإن الخوف من التضخم سيجعلها غير جذابة للمستثمرين الأجانب -كما حصل في سبعينيات القرن الماضي بعد قرار نيكسون.

وإذا نُفذت هذه السياسات، فقد تُسرّع من تفكك النظام المالي القائم على الدولار. فالصين بدأت في بناء تكتل حول عملتها “الرينمينبي”، خصوصًا في شرق آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية. كما أن اليورو يواصل كسب حصة من السوق العالمية. وفي الوقت ذاته، بدأت العملات المشفرة في تقويض هيمنة الدولار في الاقتصاد الموازي وغير الرسمي، الذي قد يشكل نحو 20% من الدخل العالمي.

ويشبه ترامب نيكسون من حيث التوقيت، فكلاهما واجه نظامًا عالميًا يعاني من ضغوط داخلية، واختار الهدم بدلًا من الإصلاح. ومع أن قرار نيكسون كان اضطراريًا، يبدو أن توجهات ترامب أكثر أيديولوجية وتعمدًا. وقد تكون نتائجها أشد خطورة.

فإذا ابتعدت دول كبرى عن الدولار لصالح الرينمينبي أو اليورو أو حتى العملات المشفرة، فقد يفقد الدولار مكانته كعملة احتياطية عالمية. هذا سيجعل تمويل الدين الأمريكي أصعب، ويرفع التضخم، ويقوض النفوذ المالي والسياسي للولايات المتحدة.

aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز FR



Source link

‫0 تعليق

اترك تعليقاً