مدن تحت حصار «القاعدة».. مالي تدخل عصرا جديدا للإرهاب

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!



طرح حصار جماعة موالية لتنظيم القاعدة الإرهابي لمدينتين في مالي، سيل من الأسئلة على دول غرب أفريقيا، دون أمل في إجابة قريبة على ما يبدو.

ورأى خبراء في الشأن الأفريقي أن إعلان جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” المرتبطة بتنظيم القاعدة فرضَ حصارٍ على مدينتي كايس ونيورو في مالي، يمثل تصعيدًا خطيرًا يسلط الضوء على التمدد المتنامي للجماعات المتشددة في غرب أفريقيا، في ظل تراجع فعالية الدولة والانقسامات الإثنية.

وقال الباحث الفرنسي جان إيف أوليفييه، المتخصص في قضايا الساحل الأفريقي في معهد الدراسات الأفريقية بباريس، في تصريح لـ”العين الإخبارية”، إن إعلان الجماعة الإرهابية حصارا على مدن مأهولة ومفتوحة مثل كايس “يعني أننا دخلنا مرحلة جديدة من التهديد الإرهابي، تقوم على التحكم في الطرق التجارية وخنق المناطق الحيوية، وليس فقط تنفيذ هجمات متفرقة”.

وأضاف أن “كايس ليست مجرد مدينة محلية، بل عقدة مواصلات بين مالي والسنغال وموريتانيا، وخنقها يعني عمليًا ضرب العصب الاقتصادي للدولة المالية، وهو ما يشير إلى تنامي طموح الجماعة الإرهابية في فرض واقع ميداني على الأرض، على غرار ما حدث في شمال مالي سابقًا”.

ومن جانبه، قال لوك بيرييه، الباحث في جامعة ليون والمتخصص في الحركات الإسلامية في أفريقيا، لـ”العين الإخبارية”، إن “الجيش المالي، وإن كثف من حملاته، إلا أنه يواجه خصمًا يعرف المنطقة جيدًا، ويتقن اللعب على البعد الإثني، ويستفيد من ضعف التعاون الإقليمي بعد انسحاب القوات الفرنسية وتراجع الدور الغربي”.

وأشار بيرييه إلى أن “الإرهابيين، وخاصة كتائب مثل ماسينا، باتوا يستخدمون سلاح الحصار كتكتيك جديد للردع والعقاب، ولفرض سيطرتهم بطريقة غير مباشرة. هذا النهج يضع السكان بين فكي كماشة: الخوف من الانتقام الإرهابي إن تعاونوا مع الجيش، والخوف من البطش الأمني إن صمتوا”.

وأعلنت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” المرتبطة بتنظيم القاعدة، فرضَ حصارٍ على مدينتي كايس ونيورو دو الساحل، واتهمت السكان بـ”التعاون مع الجيش المالي”. جاء ذلك بعد سلسلة من الهجمات المنسقة على الحدود مع السنغال وموريتانيا.

وفي رسائل صوتية بلهجتي البول والبانبارة، اتهم التنظيم سكان كايس ونيورو بأنهم ساعدوا الجيش في تنفيذ اعتقالات، محذرًا من أن أي رجل يقع في قبضتهم “سيُقتل”. كما أعلنوا عزل المدينتين عن الطرق التي تربطهما بباماكو والسنغال وموريتانيا، في خطوة تهدد الاستقرار الإقليمي.

وتقول تقارير محلية، نقلتها إذاعة “إر. إف. إي” الفرنسية، إن الاعتقالات واسعة النطاق قد بدأت، وسط اتهامات بأنها “تعسفية”، فيما خرجت مجموعات من سكان كايس لمؤازرة الجيش بعد الهجمات.

صمت حكومي

ورغم خطورة الوضع، لم تصدر الحكومة المالية ردًا مباشرًا على إعلان الحصار، لكنها دعت في بيان رسمي السكان إلى “التبليغ عن أي تحرك مشبوه”. كما أشارت إلى استخدام الإرهابيين طائرات بدون طيار (درون) انتحارية، واتهمت “وسائل الإعلام الدولية” بـ”التواطؤ مع الإرهاب”.

ورغم أن الحكومة تحدثت عن وقوع قتلى بين المدنيين والعسكريين، لم تعلن عن أرقام دقيقة، بل اكتفت بعبارة “نصلي من أجل أرواحهم”، ما فُسر على أنه تعتيم متعمد.

القلب التجاري في خطر

ومدينة كايس ليست مجرد مركز سكاني؛ فهي نقطة ارتكاز في طريق التجارة الحيوي الذي يربط ميناء داكار، عاصمة السنغال، بالعاصمة المالية باماكو. وتشهد هذه الطريق مرور مئات الشاحنات يوميًا.

وقالت إذاعة “إر. إف. إي” الفرنسية، إنه إذا نجح الإرهابيون في تنفيذ الحصار فعليًا، فإن ذلك يعني خنق التجارة الإقليمية، وقطع الإمدادات الغذائية والوقود، وتعطيل الاقتصاد المحلي الذي يعاني أصلًا من تداعيات الحرب.

ونقلت الإذاعة الفرنسية عن الباحث بوبكر با، مدير مركز الحوكمة والأمن في الساحل (CAGS) في باماكو، قوله إن “الجماعة الإرهابية استخدمت تكتيكات التسلل والمراقبة الطويلة، وهي الآن تشعر بقدرتها على خوض مواجهات مباشرة، وتنفيذ عمليات خنق للمدن”.

وأضاف با: “المنطقة مليئة بالأحراش والغابات الصغيرة، وتتيح للإرهابيين إمكانيات للاختباء والكرّ والفرّ، ما يصعّب من مهمة الجيش، خاصة في ظل نقص الاستطلاع الجوي أو المعلومات الاستخباراتية الدقيقة”.

وهذا ليس أول حصار تفرضه القاعدة لكنها المرة الأولى التي تطال مدينة بحجم كايس، حيث يقيم أكثر من 190 ألف نسمة، وتضم مناطق ريفية متصلة بملايين السكان.

على شفا الفوضى؟

في ظل غياب رد حكومي واضح، واستمرار الاتهامات الإثنية المتبادلة، وغياب التنسيق الأمني الإقليمي، يبدو أن جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” تتحول من فصيل مسلح إلى لاعب ميداني يسعى لفرض معادلات سياسية واجتماعية على الأرض.

ويحذر خبراء من أن مالي قد تكون في طريقها إلى دورة جديدة من الفوضى، ما لم تتدخل أطراف إقليمية ودولية لرسم خريطة ردع أمنية وتنموية حقيقية، تعالج ليس فقط التهديد العسكري، بل جذور التأييد المجتمعي الذي يجعل من الحصار أداة ناجحة للجماعات المتطرفة.

aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز FR



Source link

‫0 تعليق

اترك تعليقاً