لضبط البويضات والنطف.. مصر تتحرك لحسم جدل الإخصاب وتأجير الأرحام

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

شكرا على قرائتكم خبر عن لضبط البويضات والنطف.. مصر تتحرك لحسم جدل الإخصاب وتأجير الأرحام

في قلب أحد الأحياء الهادئة بالقاهرة، وُلد طفل لا يعلم أحد على وجه التحديد لمن يُنسب، هل بلأم التي حملت به في رحمها، أم للمرأة التي وهبته بويضتها؟

وخلف هذا السؤال قصص حقيقية، وواقع يزداد تعقيدًا في ظل غياب قانون واضح ينظم عمليات الإخصاب المساعدة وتأجير الأرحام في مصر، ويمنع حدوث فوضى البويضات والنُطف، ويضبط هذه العمليات.

قانون تنظيم الإخصاب الاصطناعي

وما قد لا يعرفه البعض، هو أن وزارة الصحة والسكان انتهت قبل نحو شهر، من إعداد مشروع قانون شامل لتنظيم عمليات الإخصاب الاصطناعي والمساعدة على الإنجاب، وأحالته إلى وزارة العدل لمراجعته وضبط صياغته القانونية، تمهيدًا لعرضه على مجلس الوزراء، ومن ثم إلى مجلس النواب لإقراره رسميًا.

حكاية الطفل مجهول النسب

نعود إلى قصة الطفل مجهول النسب، فقد بدأت الحكاية عندما قرر زوج حماية زوجته من مخاطر الحمل بعد نصائح طبية تحذره من إمكانية وفاتها، كان حلم الأبوة يدفعه للبحث عن حل، فاتجه مع زوجته إلى مركز طبي أجنبي، حيث تم تخصيب بويضتها، وزُرعت في رحم سيدة أخرى مقابل مبلغ مادي، وبالفعل تمت الولادة بنجاح، لكن السؤال الذي ظل يطاردهما: هذا الطفل ابن مَنْ؟ صاحبة البويضة أم التي حملت به؟

 أنجبت طفلًا عبر رحم بديل

وفي واقعة أخرى، توفي زوج في حادث، لكن زوجته كانت قد جمّدت بويضاتها ونطفه قبل وفاته، وبعد أشهر من رحيله، أنجبت طفلًا عبر رحم بديل، ليبدأ صراع جديد بين الدين والقانون والعُرف.

من جانبه، يرى مدير مركز الحق في الدواء، محمود فؤاد، أن هذه الحالات الفردية مؤشر خطير على تفاقم أزمة تأجير الأرحام لـ”أم بيولوجية” في غياب نص قانوني صريح يُبيح أو يُجرّم هذه الممارسات.

فراغ قانوني يفتح الباب لاختلاط الأنساب

يقول فؤاد لـ”تليجراف مصر”: “لا يوجد في القانون المصري ما ينظم بشكل واضح عمليات تأجير الأرحام أو حفظ البويضات أو نقلها من امرأة إلى أخرى، كما لا توجد مواد تجرّم ذلك صراحة. نحن في منطقة رمادية خطيرة، والفراغ القانوني يفتح الباب لاختلاط الأنساب واستغلال المال في أمور تمس جوهر الأسرة المصرية”.

ويضيف: “هناك فتاوى شرعية واضحة من الأزهر الشريف تُحرّم تأجير الأرحام، وتعتبره فسادًا لمعنى الأمومة الحقيقي، خاصة إذا تم نقل بويضة من زوجة متوفاة أو غير قادرة على الحمل إلى سيدة أخرى تختلف عنها وراثيًا، ما يعني خريطة جينية مختلفة واحتمالات لأمراض وراثية جديدة”.

شروط شرعية صارمة لتجميد البويضات

ويرى فؤاد أن الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية أمر ضروري، مشيرًا إلى أن “الأزهر أفتى بأن تجميد البويضات أو الأجنة يجب أن يتم ضمن شروط شرعية صارمة، أهمها أن يكون التخصيب قد تم داخل إطار الزواج، وليس بعد الطلاق أو الوفاة، وأن يتم من خلال بنوك حكومية، وليس مؤسسات خاصة، لضمان الرقابة والمصداقية.

ويحذّر من أن استمرار تجاهل هذه القضايا سيفتح الباب لمشاكل نفسية واجتماعية خطيرة، ليس فقط على الأمهات أو الأطفال، بل على سمعة المجتمعات ككل، مطالبًا بفتح حوار مجتمعي واسع تشارك فيه المؤسسات الدينية، وعلى رأسها الأزهر والكنيسة، لإيجاد رؤية متزنة توازن بين متطلبات الطب الحديث وثوابت القيم الأخلاقية.

قانون إخصاب متمدن

ويوضح مدير مركز الحق في الدواء، أن مصر تحتاج إلى “قانون إخصاب متمدن”، يضع ضوابط دقيقة لعمليات التلقيح الصناعي وتأجير الأرحام، ويمنع استغلال المال في قضايا تمس الأنساب والهوية الأسرية، مع ضرورة إشراف حكومي وديني على كل المراكز التي تقدم خدمات الإخصاب.

أول تشريع ينظم تقنيات المساعدة على الإنجاب

فيما قال مصدر مسؤول بوزارة الصحة لـ”تليجراف مصر”، فإن مشروع القانون الذي يحمل اسم “قانون الإخصاب”، يُعد الأول من نوعه في مصر لضبط وتنظيم كافة الممارسات المرتبطة بتقنيات الإخصاب المساعد، مثل أطفال الأنابيب والحقن المجهري وتجميد الأجنة، وذلك في إطار الضوابط الطبية والأخلاقية والشرعية، بما يضمن حقوق المرضى والأطباء ويمنع أية ممارسات قد تؤدي لاختلاط الأنساب أو استغلال المرضى.

أبرز المحظورات في مشروع القانون

فيما كشف مصدر آخر مطلع على مسودة القانون المقترح، أبرز محظورات مشروع القانون الجديد للإخصاب الصناعي، موضحًا أنه يحظر بشكل قاطع تخصيب البويضات بعد وفاة الزوج أو الطلاق، وتأجير الأرحام تحت أي ظرف، بالإضافة إلى التلقيح بنطفة من غير الزوج الشرعي، وزرع بويضات مخصبة في رحم امرأة غير الأم الشرعية.

وأشار المصدر ذاته لـ”تليجراف مصر” إلى أن هذه الضوابط تأتي تماشيًا مع فتاوى الأزهر ونصوص آداب مهنة الطب المعمول بها حاليًا، التي تهدف إلى الحفاظ على نقاء الأنساب وحماية الأخلاقيات الطبية.

وأوضح أن مشروع القانون يقصر حق ممارسة التلقيح الصناعي على أطباء النساء والتوليد الحاصلين على ترخيص خاص، يتم منحه وفق شروط صارمة تشمل سنوات خبرة محددة، والحصول على شهادات متخصصة، ودورات تدريبية معتمدة، مؤكدًا أنه ليس أي طبيب نساء وتوليد سيمارس التلقيح الصناعي.

يأتي هذا القانون في إطار تنظيم عمليات الإخصاب الصناعي وضبطها بما يتوافق مع القيم الدينية والأخلاقية، ويهدف إلى حماية الأسر وضمان سلامة الإجراءات الطبية في هذا المجال.

يشترط القانون تراخيص مستقلة للمراكز الطبية، العاملة في الإخصاب الاصطناعي، تختلف عن باقي المنشآت الصحية، وتخضع لمعايير وطنية ودولية صارمة تضمن جودة وسلامة الإجراءات.

ويتضمن المشروع أيضًا تشكيل لجنة عليا دائمة للإشراف على منظومة الإخصاب المساعد في مصر، تكون مسؤولة عن منح التراخيص، ومتابعة الأداء المهني، واعتماد الممارسات الطبية الآمنة.

كما ينص على الربط الإلكتروني بين مراكز الإخصاب والتلقيح الصناعي، لإنشاء قاعدة بيانات وطنية دقيقة، تشمل عمليات التخصيب ونقل الأجنة وتجميدها، لمنع التلاعب أو خلط الأنساب، وضمان تتبع كل حالة وفقًا لبيانات موثقة.

فتاوى دينية

يُشار إلى أن مصر لا تمتلك حتى الآن قانونًا ينظم تقنيات الإخصاب المساعد، وتعتمد فقط على فتاوى دينية من مؤسسات مثل الأزهر، وعلى مواد محدودة بلائحة آداب مهنة الطب، مثل المادة 44 التي تشدد على الحفاظ على النسل البشري ونقاء الأنساب، والمادة 45 التي تمنع التلقيح إلا في ظل العلاقة الزوجية الشرعية.

وفي تصريحات سابقة له، أعلن وزير الصحة والسكان، الدكتور خالد عبدالغفار، الانتهاء من إعداد المشروع بصيغته التوافقية مع وزارة العدل، تمهيدًا لاعتماده من الحكومة وإحالته إلى البرلمان، مؤكدًا أن القانون يأتي في إطار جهود الوزارة لحماية حقوق المواطنين وتنظيم قطاع حساس يمس الحياة الأسرية والصحة الإنجابية.



‫0 تعليق

اترك تعليقاً