في أوقات الأزمات الكبرى، تظهر الفروق بين التضامن النابع من مبدأ إنساني، والتعاطف الذي يُستثمر لتغذية أجندات لا ترتبط بجوهر القضية. وفلسطين، بما تمثّله من رمزية تاريخية وإنسانية، كثيرًا ما تحوّلت إلى مساحة مفتوحة للاستخدام الخطابي والتعبوي من قبل جماعات تحاول توظيفها خارج سياقها الحقيقي. بعض الجهات ذات الخلفيات الأيدولوجية المتشددة تستغل الألم الفلسطيني لبث سرديات تتجاوز خصوصية القضية، وتغذي تصورات أيديولوجية عابرة للحدود، تُقدَّم أحيانًا كحلٍّ شامل، لكنها في الواقع تُهمّش الإنسان الفلسطيني وتحوّله إلى مجرد رمز يخدم غايات أخرى. وفي هذه الحالة، تُستخدم العاطفة لا لتكريس العدالة، بل لخلق اصطفافات فكرية مغلقة تستنزف طاقة الناس في معارك جانبية.هذا التجييش العاطفي، وإن انطلق من نوايا تبدو نبيلة، ينتهي غالبًا إلى تقييد النقاش، وتهميش المساحة العقلانية الضرورية لفهم تعقيدات الواقع. إذ يصبح التعبير عن الموقف مسألة انتماء شعوري مطلق، لا مجال فيه للاجتهاد أو التفكير النقدي، وتُستبدل فلسطين كقضية إنسانية وحقوقية بمشروع تعبوي، يختزلها في شعارات متكررة لا تصنع فارقًا حقيقيًا على الأرض.في ظل هذه السياقات المتضاربة، يبرز الموقف الأردني كنموذج عقلاني ومسؤول يُجسّد دعمًا صادقًا للقضية الفلسطينية، بعيدًا عن المبالغات أو التوظيف الانفعالي. فقد ظل الأردن ملتزمًا بثوابت سياسية وأخلاقية في دفاعه عن فلسطين، من خلال دور دبلوماسي نشط، ومواقف واضحة في المحافل الدولية، ودعم إنساني ملموس على مدى العقود.لقد اختار الأردن أن يكون صوتًا متزنًا، يجمع بين الحكمة والوضوح، ويقدّم صورة عن التضامن تستند إلى الإدراك لا الانفعال، إلى الثبات لا المزايدة. وهذا النموذج لا يعبّر فقط عن سياسة دولة، بل عن وعيٍ متقدم بقيمة العدالة ومركزية القضية الفلسطينية في الوجدان العربي، دون التفريط باستقرار المجتمعات أو بوحدة الصف.فلسطين بحاجة إلى مثل هذه المواقف: مواقف تبني ولا تهدم، تعقلن ولا تؤدلج، وتضع الإنسان في قلب المعادلة. فالنصرة الحقيقية لا تكون بصوت مرتفع فقط، بل بموقف ثابت، يدرك أن الحق لا يُخدم بالانفعال، بل بالمسؤولية والوضوح والاتساق مع المبادئ.
فلسطين بين قدسية القضية واستغلالها
