في جلسة أسئلة رئيس الوزراء بمجلس العموم البريطاني، جذبت وزيرة المالية راشيل ريفز الأنظار عندما بدت متأثرة للغاية، بل شوهدت تمسح دموعها. وأثار هذا المشهد تساؤلات حول استمرار ريفز في منصبها، خاصة بعد نقاشات حادة حول تراجع الحكومة عن إصلاحات الرعاية الاجتماعية التي كانت تهدف إلى دعم الموازنة.
وفقًا لوكالة رويترز، أكد رئيس الوزراء كير ستارمر دعمه الكامل لريفز، مشيرًا إلى أن انفعالها يعود إلى أمر شخصي وليس فقط للضغوط السياسية.
وأوضح بيان من مكتب رئيس الوزراء، وفقًا لبي بي سي، أن ريفز ستبقى في منصبها حتى الانتخابات المقبلة، نافيًا أي شكوك حول استبدالها. لكن امتناع ستارمر عن تأكيد بقائها خلال الجلسة مباشرة أثار جدلًا، إذ استغلت زعيمة المعارضة كيمي بادنوك الموقف للتشكيك في استمرار ريفز في منصبها، كما ذكرت سكاي نيوز.
وتولت ريفز منصب وزيرة الخزانة في 5 يوليو 2024، لتصبح أول امرأة تشغل هذا المنصب في تاريخ بريطانيا، وهو إنجاز تاريخي لفت الأنظار. وفقًا لبي بي سي، تعهدت بأن تجعل وزارة الخزانة داعمة للنمو الاقتصادي عبر جذب استثمارات القطاع الخاص كركيزة أساسية. لكن اسمها تصدر الأخبار باستمرار بسبب التحديات الاقتصادية والسياسية التي واجهتها. من بينها، التراجع عن إصلاحات الرعاية الاجتماعية، مثل إلغاء مدفوعات وقود الشتاء لبعض المتقاعدين، مما أثار انتقادات من قطاعات الأعمال والزراعة، كما أشارت فاينانشال تايمز. كذلك، أثارت ميزانيتها الأولى في 30 أكتوبر 2024، التي شملت زيادات ضريبية بقيمة 40 مليار جنيه إسترليني، جدلًا واسعًا بين الشركات والمزارعين، إذ كانت الزيادات الأكبر منذ 1993.
تسبب التراجع عن إصلاحات الرعاية الاجتماعية في عجز مالي بقيمة 5.5 مليار جنيه إسترليني، مما أثر سلبًا على الأسواق. وفقًا لفاينانشال تايمز، كما شهدت سندات الحكومة البريطانية أكبر انخفاض يومي منذ أزمة 2022، مع تراجع الجنيه الإسترليني أمام الدولار واليورو. زاد انفعال ريفز في البرلمان من قلق المستثمرين بشأن السياسة المالية.
لكن ستارمر، في تصريح لسي إن إن بيزنس، أكد أن ريفز ستبقى في منصبها لفترة طويلة، ليبدد الشكوك. وأشارت الشبكة الإخبارية الأمريكية إلى أن هذا الدعم جاء للرد على التكهنات، خاصة بعد فشل ستارمر في تأكيد استمرارها خلال الجلسة، مما عزز النقاشات حول احتمال إقالتها.
ومنذ توليها المنصب، واجهت ريفز تحديات اقتصادية معقدة، تشمل تباطؤ النمو، وتداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتضخم العنيد، وأزمة تكلفة المعيشة. وفقًا لنيويورك تايمز، تسعى ريفز لتعزيز الإنتاجية وإصلاح الخدمات العامة ضمن قيود مالية صارمة، مع التزامها بعدم زيادة ضرائب الدخل أو الشركات أو القيمة المضافة. كما واجهت ضغوطًا سياسية داخلية من نواب حزب العمال، خاصة بعد رفضها إلغاء سقف الطفلين في استحقاقات الرعاية الاجتماعية، وهي سياسة كان يُتوقع أن تحمي 300 ألف طفل من براثن الفقر، كما ذكر موقع بوليتيكو. ويذكر أن قراراتها، مثل إلغاء مشاريع بنية تحتية وتقليص مدفوعات الوقود الشتوي، زادت الضغط من النواب والجمهور على أداء وزارتها.
تصدر اسم ريفز الأخبار بسبب نهجها الاقتصادي “السيكيورونوميكس”، وهو مصطلح صاغته في 2023 مستوحى من سياسات وزيرة الخزانة الأمريكية السابقة بإدارة جو بايدن، جانيت يلين.
تجدر الإشارة إلى أن السيكيورونوميكس هو استراتيجية اقتصادية تهدف إلى تحقيق نمو مستدام من خلال استثمارات مدروسة في البنية التحتية، التعليم، وتدريب العمالة، مع الحفاظ على استقرار المالية العامة. يركز هذا النهج على بناء اقتصاد قوي ومرن يعتمد على تعاون القطاعين العام والخاص، مع تقليل عدم المساواة الاجتماعية والأضرار البيئية. بمعنى آخر، يسعى إلى تحسين حياة الطبقة العاملة عبر توفير وظائف أكثر أمانًا، ودعم الصناعات الخضراء، مع ضمان عدم تفاقم الديون الحكومية.
ويهدف نهج السيكيورونوميكس إلى جعل الاقتصاد “آمنًا” للجميع من خلال سياسات متوازنة تجمع بين النمو والعدالة. لكن هذا النهج أثار جدلًا بسبب قرارات مثل زيادة ضريبة التأمين الوطني لأصحاب العمل إلى 15% وتغييرات في ضريبة الميراث الزراعية، مما أغضب الشركات والمزارعين، كما أوضحت فاينانشال تايمز. كذلك، واجهت انتقادات بسبب خرقها المزعوم للقواعد الوزارية عندما كشفت عن تفاصيل الميزانية لصحفيين أمريكيين قبل الإعلان في البرلمان، مما دفع رئيس مجلس العموم ليندسي هويل إلى توبيخها.
تشمل التحديات الأخرى تهديدات خارجية، مثل التعريفات الجمركية المحتملة بنسبة 25% على السيارات وقطع غيارها التي ينوي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرضها، مما قد يضر الاقتصاد البريطاني، كما أشارت بي بي سي. ووفقًا لمعهد الدراسات المالية، فإن فرص نجاح ريفز في الالتزام بقواعدها المالية ضعيفة، مما قد يتطلب زيادات ضريبية إضافية إذا تدهورت التوقعات الاقتصادية. كما أوضحت نيوزناو أن ريفز تواجه ضغوطًا متزايدة من النواب بسبب شعورهم بأن سياساتها لم تحسن حياة الناخبين، مما يزيد من تعقيد مهمتها في تحقيق التوازن بين المسؤولية المالية والعدالة الاجتماعية.
وعكس انفعال ريفز في البرلمان الضغوط الهائلة التي تواجهها كوزيرة للخزانة في ظل اقتصاد متعثر وسياسات مثيرة للجدل. ورغم دعم ستارمر، فإن استمرار تصدر اسمها للأخبار يعكس قراراتها الاقتصادية الكبرى، مثل الزيادات الضريبية والتراجع عن إصلاحات الرعاية الاجتماعية، إلى جانب التحديات السياسية الداخلية والخارجية. إلا أن نهج الوزيرة البريطاني، “السيكيورونوميكس”، رغم طموحه في تحقيق نمو عادل ومستدام، يواجه عقبات في ظل هذه الظروف، ما يجعل بقاءها في المنصب تحت المجهر