رغم التوقعات بتسوية سريعة لحرب أوكرانيا بعد تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه، فإن هذا الحل يبدو أنه ليس وشيكا.
في أواخر مايو/أيار الماضي، أشار وزير الخارجية الأوكراني السابق دميترو كوليبا إلى أن روسيا وأوكرانيا “لا تملكان حافزًا كافيًا لوقف القتال”، ومع ذلك لا يزال بإمكان أوكرانيا كسب الحرب على المدى القريب – إذا قررت كل من أوروبا والولايات المتحدة تقديم المساعدة التي تحتاج إليها وذلك وفقا لما ذكرته مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية.
كان جزء كبير من التفاؤل السابق بشأن التوصل لتسوية نابعًا من الاعتقاد السائد بأن أوكرانيا تخسر وهو ما سيجبرها على التفاوض وهو ما عززته تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والافتراض أن التزام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإخضاع أوكرانيا لا يمكن ردعه.
يرتكز كلا الافتراضين على قراءة ضيقة للغاية لديناميكيات ساحة المعركة وفهم محدود للخيارات السياسية المتاحة لداعمي أوكرانيا.
ووفقا لـ”فورين أفيرز”، حققت أوكرانيا خلال السنوات الثلاث الماضية نجاحات باهرة رغم القيود الكبيرة على المساعدات الغربية، لكن ما عاق المجهود الحربي الأوكراني ليس نقص القوى العاملة أو ضعف عزيمة كييف بل هو نقص الإمدادات العسكرية المتطورة مع تأخر تسليمها ثم منع كييف من استخدامها داخل روسيا.
وعندما يتعلق الأمر بالعقوبات على روسيا التي كان يُعتقد أنها ذات تأثير قوي، لكنها تضمنت العديد من التدابير التخفيفية لدرجة أنها فقدت تأثيرها الكامل.
وعلى الرغم من ذلك فإن انتصار أوكرانيا وقدرتها على الحفاظ على سيادتها ومواصلة رسم مسار نحو عضوية الناتو والاتحاد الأوروبي لا يزال في متناول اليد، لكنه يتطلب تحولًا جذريًا في الاستراتيجية الغربية يجمع بين زيادة كبيرة في المساعدات العسكرية وتدابير اقتصادية أكثر صرامة لتقييد روسيا.
المحور الرئيسي لهذه الاستراتيجية الجديدة هو حشد الغرب لما يقارب 300 مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة في ولاياته القضائية معظمها في الاتحاد الأوروبي لدعم أوكرانيا.
حتى الآن، لم تُبدِ إدارة ترامب أي رغبة في استخدام هذه الأموال في حين جادل بعض قادة الاتحاد الأوروبي بضرورة توفيرها لجهود إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب، في حين يخشى آخرون من إرساء سابقة خطيرة لسيادة القانون من خلال الاستيلاء على أموال دولة ما لكن إذا أراد الغرب المساعدة في إنهاء الحرب، فعليه أن يضع هذه المخاوف جانبًا.
ويمكن استثمار جزء من هذا المبلغ في القاعدة الصناعية الدفاعية المزدهرة في أوكرانيا مثل إنتاج المسيرات، ويمكن لجزء آخر مساعدة أوكرانيا على شراء صواريخ بعيدة المدى وغيرها من الأسلحة الأوروبية، مما يساعد القارة على بناء خطوط إنتاج تدعم دفاع أوكرانيا، وردع الناتو بعد انتهاء الحرب. ويمكن استخدام جزء ثالث لتمويل إنتاج القدرات الأمريكية الصنع مثل أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ الدقيقة بعيدة المدى التي تحتاج إليها أوكرانيا، لكن أوروبا تفتقر إليها حاليًا بكميات كافية.
وأخيرًا، يمكن توجيه الباقي إلى توليد الطاقة الموزعة، وحماية البنية التحتية الحيوية مثل ساحات التحويل ومحطات الكهرباء الفرعية، وتلبية الاحتياجات الإنسانية.
ويجب على حكومات الغرب إعطاء الأولوية لاتفاقيات الإنتاج المشترك، وتقاسم الملكية الفكرية، وشراكات التصنيع الدفاعي لتقليل اعتماد أوكرانيا على سلاسل التوريد الأجنبية.
كما يجب على الغرب استهداف الأسس الاقتصادية للمجهود الحربي الروسي من خلال استهداف مصدر الدخل الرئيسي لموسكو مثل صادرات الطاقة وزيادة عزلتها ماليًا وتفادي الثغرات التي استغلها الكرملين في نظام العقوبات.
ومن المهم أيضًا إدراك أن روسيا لم تعد تخوض هذه الحرب بمفردها فقد حظيت بدعم ثابت من حلفائها، مما مكّنها من تحمّل وطأة العقوبات الغربية وتجديد مخزونها من المواد الأساسية.
فبعد بضعة أشهر فقط من بدء الحرب، قدّرت وكالات الاستخبارات الغربية والمحللون العسكريون أن موسكو استنفدت مخزونها من الذخائر دقيقة التوجيه بشكل كبير وبحلول خريف ذلك العام، بدأت إيران بتزويد روسيا بمسيرات.
وبحلول 2023، برزت الصين موردا رئيسيا لروسيا للتقنيات ذات الاستخدام المزدوج، بما في ذلك توريد أكثر من 90% من الإلكترونيات الدقيقة كما زودت كوريا الشمالية روسيا بصواريخ باليستية قصيرة المدى، ثم قوات عسكرية.
وربما لا تملك أوروبا أو الولايات المتحدة الكثير لفعله لردع كوريا الشمالية، لكن إيران ضعفت كثيرًا بعد حربها مع إسرائيل، لذا أصبحت مساهمات الصين أكثر أهمية.
ولكبح جماح الدعم الصيني لموسكو، لا بد من اتباع نهج أطلسي موحد لرفع تكاليف دعم بكين من خلال الاستفادة من التجارة والوصول إلى الأسواق.
كما يمكن تغيير ظروف ساحة المعركة حيث تمتلك الدول الغربية الموارد الجماعية اللازمة لخلق وضع تتحول فيه خطوط الاتجاه إلى سلبية بالنسبة لروسيا، وبمجرد أن تتراكم المخاطر الاستراتيجية ستضطر موسكو لإعادة تقييم نهجها.
وأمام حلفاء أوكرانيا خيار فإما مواصلة النهج الحالي المتمثل في الانقسام عبر الأطلسي والدبلوماسية التي وُلدت ميتة مما يُخاطر بحرب موسعة وأطول وأكثر تكلفة بكثير وإما التحرك بحزم لمساعدة كييف على تغيير مسار الأمور، وكبح جماح تصنيع الأسلحة الروسية حتى تتفاوض من موقع قوة.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز