قد يكون الذهب هو من يخطف الأضواء في أوقات الاضطرابات، لكن قريبه الأقل بريقاً، الفضة، يعيش عاماً لامعاً بنفس القدر.
في ظل التصاعد في التوترات الجيوسياسية وحالة عدم اليقين الاقتصادي، يلجأ المستثمرون نحو الملاذات الآمنة –والفضة باتت خيارًا متزايد الجاذبية. فقد ارتفع كل من الذهب والفضة بنحو 20% منذ بداية هذا العام، مما يعكس تعطش المستثمرين للاستقرار.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة “فاينشيال تايمز”، فالبرغم من أنهما غالبًا ما يُذكران معًا، فإن للذهب والفضة خصائص مختلفة. الذهب أندر وأكثر سيولة، ويُعتبر بشكل أساسي مخزنًا للقيمة. أما الفضة، فهي أكثر وفرة –تقريبًا بمقدار 20 مرة– وتلعب دورًا مهمًا في التطبيقات الصناعية. هذا الدور المزدوج يمنح الفضة ميزة فريدة اذ تُستخدم كتحوط ضد عدم الاستقرار وأيضًا كرهان على النمو الاقتصادي.
وحاليًا، يأتي نحو 60% من الطلب على الفضة من القطاع الصناعي، بزيادة 10 نقاط مئوية خلال العقد الماضي. وتلعب الفضة دورًا أساسيًا في التقنيات الخضراء، وخاصة الألواح الشمسية، إلى جانب الإلكترونيات وصناعة الطيران. ومع توسع هذه القطاعات، أصبح أداء الفضة مرتبطًا بشكل متزايد بالاتجاهات الاقتصادية العالمية، وليس فقط بمشاعر الخوف في السوق.
ونظرًا لسعرها المنخفض وتقلبها العالي، غالبًا ما تُعتبر الفضة بمثابة رهان مُعزز على الذهب. وهذا يجعلها جذابة للمضاربين، ولكنه يعني أيضًا أنها تشهد تقلبات أكثر حدة. وأحد الأساليب التي يستخدمها المتداولون للتعامل مع هذا هو ما يُعرف بنسبة الذهب إلى الفضة -وهي مقياس يُظهر عدد أونصات الفضة التي يمكن شراؤها بأونصة واحدة من الذهب.
وتاريخيًا، شهدت هذه النسبة تقلبات واسعة؛ فقد تراوحت في اليونان القديمة بين 10 و15، وارتفعت خلال أزمة 2008 وجائحة 2020 إلى 127. ومؤخرًا، دفعت الاضطرابات الجمركية هذه النسبة إلى نحو 100، في إشارة إلى تفضيل المستثمرين للذهب في أوقات الخوف الشديد.
قدرة على الصمود
ومع ذلك، تتمتع الفضة بقدرة خاصة على الصمود. فعلى عكس الذهب الذي يُخزّن أو يُستخدم غالبًا في المجوهرات، تُستهلك الفضة في العديد من الصناعات الأساسية والمتنامية. ويعزز التوجه نحو الطاقة المتجددة، والتقدم في مجال الإلكترونيات، وازدياد ميزانيات الدفاع، الطلب على الفضة. حتى الحكومات بدأت تلاحظ ذلك؛ فقد أعلن البنك المركزي الروسي في نهاية العام الماضي عن خطط لإضافة الفضة إلى احتياطياته –وهي خطوة قد تمهد الطريق لخطوات مماثلة من بنوك مركزية أخرى.
وعلى صعيد العرض، تميل التوقعات لصالح الفضة أيضًا. فوفقًا لمعهد الفضة، وهو هيئة صناعية مقرها الولايات المتحدة، من المتوقع أن يتجاوز الطلب العرض للسنة الخامسة على التوالي في عام 2025، رغم أن الطلب سيتراجع قليلاً مقارنة بعام 2024. هذا العجز المستمر يشد السوق ويعزز الأسعار.
أما بالنسبة للمستثمرين، فقد بدأوا في إعادة النظر. فبعد عامين من التراجع، عادت صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) الخاصة بالفضة لتجذب تدفقات نقدية إيجابية. فقد شهدت تدفقات صافية بقيمة 1.6 مليار دولار في أول 27 يومًا من شهر يونيو/حزيران فقط، وفقًا لمورنينغ ستار -وهو رقم يفوق إجمالي ما تم ضخه خلال عام 2024 بالكامل.
كما تستفيد شركات التعدين من هذا الزخم. فقد ارتفعت أسهم شركة “فريسنيلو”، وهي شركة تعدين فضة مدرجة في المملكة المتحدة وتعمل في المكسيك، بنسبة 120% منذ بداية العام، مدفوعة بارتفاع أسعار الفضة وتزايد اهتمام المستثمرين.
ربما تظل الفضة دومًا في ظل الذهب، ويُطلق عليها أحيانًا اسم “ذهب الفقراء”، لكن تموضعها الفريد – كملاذ آمن وكعنصر أساسي في الصناعات المستقبلية – يجعلها أكثر ارتباطًا بواقع الاقتصاد العالمي اليوم. ومع تضافر العوامل الهيكلية والمضاربية لصالحها، قد لا يخبو بريق الفضة في أي وقت قريب.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز