أكد الدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لتمويل خطة التنمية المستدامة لعام 2030، إن مرفق “الغابات الاستوائية إلى الأبد” يعد مثالا بارزا على الابتكار والتعاون المطلوبين لإحياء أجندة تمويل التنمية.
والمرفق هو مبادرة برازيلية تهدف إلى توفير تمويل مستدام لحماية الغابات الاستوائية في جميع أنحاء العالم. وقد تم اقتراح المرفق خلال قمة المناخ في الإمارات عام 2023 (COP28) ويهدف إلى الدفع للدول مقابل الحفاظ على غاباتها الاستوائية.
وجذبت المبادرة اهتمام مجموعة واسعة من المستثمرين المحتملين لما لها من تأثير عالمي (أكثر من 70 دولة يمكن أن تستفيد من المدفوعات)، ومنافع متعددة (تشمل حماية التنوع البيولوجي، والحفاظ على الطبيعة، وإدارة المياه)، ولأنها نموذج تمويل مختلط على نطاق واسع يشكّل بديلًا محايدًا ماليًا عن المنح الإنمائية الرسمية التقليدية التي تتناقص حاليًا.
وأضاف محيي الدين الذي يشغل أيضا منصب الرئيس المشارك لفريق الخبراء رفيع المستوى التابع للأمم المتحدة المعني بتمويل التنمية، في مقال نشره موقع “إنفايرومنتال فاينانس” أنه يتبقّى أقل من 5 سنوات على الموعد النهائي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، والطريق لا يزال شديد الانحدار. ومن المقرّر أن يجتمع قادة المال والسياسة العالميون في إشبيلية خلال أيام لإعادة تنشيط أجندة التمويل المستدام للتنمية وإيجاد سبل لتحقيق تقدّم ملموس رغم البيئة الاقتصادية والجيوسياسية الصعبة.
لكن، بحسب محيي الدين، فإن البشرية تواجه رياحًا معاكسة. فالكوارث البيئية المتلاحقة عمّقت أوجه عدم المساواة، وقضت على سُبل العيش، ودمّرت النُظم البيئية، وشرّدت المجتمعات، ووسّعت فجوات التمويل في الدول النامية، والتي تصل حاليًا إلى نحو 4 تريليونات دولار سنويًا.
كما أن تراكم الأزمات نال من الثقة في الحكومات والمؤسسات، حيث باتت دول عديدة تُقلّص مساعداتها الإنمائية الرسمية، ومؤسسات الحوكمة العالمية تواجه ضغوطًا سياسية جديدة، والنمو الاقتصادي العالمي يتباطأ.
إضافة إلى ذلك، يواجه العالم النامي أزمة ديون غير مسبوقة، حيث تكافح العديد من الدول تحت وطأة أعباء خدمة الدين التي تُهدّد الخدمات العامة والاستقرار الاقتصادي والتنمية المستدامة.
مؤشرات تفاؤل
لكن، وبحسب محيي الدين، هناك مؤشّرات مشرقة أيضًا. فالمؤسسات المالية الخاصة تزداد تركيزًا على الحفاظ على الطبيعة. فعلى سبيل المثال، وقّع مستثمرون مؤسسيون كبار، من بينهم باركليز وفيديليتي، رسالة مفتوحة لدعم مسارات الانتقال الإيجابية للطبيعة.
ومن المتوقّع أيضًا أن يركّز مؤتمر الأطراف الثلاثين المقبل في البرازيل على الحفاظ على الغابات، والعدالة المناخية، وزيادة تمويل المناخ، مما يجعل “مرفق الغابات الاستوائية إلى الأبد” ذا صلة وثيقة بأجندته.
كما أن مشروع “ما بعد الناتج المحلي الإجمالي” يعمل على إنشاء إطار للحكومات لتطوير مقاييس أكثر شمولًا للاستدامة والثروة. علاوة على ذلك، فإن التحوّلات السياسية والتكنولوجية التي يشهدها النظام العالمي وفّرت بيئة خصبة لأفكار تغييريّة راديكالية.
ومع كل هذا، يبقى “مرفق الغابات الاستوائية إلى الأبد” من بين أكثر المبادرات إثارة في مجال تمويل التنمية الدولية في هذا الجيل.
مرفق الغابات الإستوائية
وأوضح محيي الدين في مقاله أن هذا المرفق يمتلك القدرة على إعادة تشكيل كيفية مشاركة الدول والمؤسسات المالية الخاصة في تمويل التنمية، كما يمكنه أن يساعد في منع تدمير أحد أكثر أصول كوكبنا قيمة بيئية وأقلها تقديرًا، وهي الغابات الاستوائية.
والفكرة هي أن يتم استخدام قروض وضمانات سيادية لمرة واحدة لحشد رأس مال خاص لتأسيس صندوق تمويل مختلط بقيمة 125 مليار دولار. يُستثمر هذا الصندوق بشكل استراتيجي في محفظة متنوعة من السندات التي تُصدرها الأسواق الناشئة والدول النامية.
ويحصل المستثمرون السياديون على عائد سنوي يُعادل تكلفة اقتراضهم وتُسترد استثماراتهم. أما العوائد الإضافية فتُستخدم لتمويل حماية الغابات الاستوائية ذات الأوراق العريضة والرطبة.
ووفقًا للمقال، فإن البنك الدولي منخرط بنشاط في مناقشات بشأن دوره المحتمل في دعم تصميم وتنفيذ ومراقبة هذه الآلية التمويلية المبتكرة.
وتقيس الدول التي تمتلك غابات استوائية والمشاركة في هذا المرفق التغيّر السنوي في مساحة غاباتها، ويتم دفع مقابل مالي لها عن كل هكتار من الغابات المحمية.
ويستغل المرفق أسواق رأس المال لمكافأة الدول التي تُعطي أولوية لحماية هذه النظم البيئية الحيوية، ويتّخذ خطوة نحو الاعتراف بالقيمة السوقية للخدمات الخفية التي تُقدّمها الغابات الاستوائية، مثل إدارة المياه العذبة للقارات بأكملها، وتثبيت المناخ العالمي، وتخزين الكربون، وحماية التنوع البيولوجي.
وبمجرّد أن تستحق السندات ويتم سداد المستثمرين مع الفوائد، يتم تحويل الصندوق إلى صندوق ائتماني ذاتي الاستدامة يستمر في دفع الأموال للدول لحماية غاباتها الاستوائية إلى الأبد.
وعلى عكس أسواق الكربون الأخرى التي تدفع للدول مقابل تقليل إزالة الغابات، فإن هذا المرفق هو آلية تمويل واسعة النطاق تُكافئ الدول التي نجحت في الحفاظ على غاباتها قائمة.
تصحيح أخطاء
ويُصوّب المرفق خطأ عدم تعويض حماية الغابات الاستوائية، ويمنح الدول مصدر دخل متواصلًا ومرنًا ويمكن التنبؤ به، يمكنها استثماره في برامج أخرى تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، مما يخلق حلقة تغذية راجعة إيجابية.
والبرازيل، التي ستستضيف مؤتمر الأطراف الثلاثين في نوفمبر/ تشرين الثاني، تقود عملية مدروسة بعناية للانخراط في تصميم الحوكمة، وضمان السلامة البيئية، وبناء توافق بين المؤسسات المالية والدول الراعية ومنظمات المجتمع المدني والشعوب الأصلية، وهو بالضبط نوع التعاون متعدّد القطاعات الذي دعا إليه لي جونخوا، وكيل السكرتير العام للأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، والأمين العام للمؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، في مؤتمر تمويل التنمية خلال أيام في إشبيلية.
ومن المتوقّع أن يركّز مؤتمر الأطراف الثلاثين على الحفاظ على الغابات، والعدالة المناخية، وتوسيع نطاق تمويل المناخ، ما يجعل هذا المرفق ذا صلة محورية بأجندته.
وأوضح محيي الدين أن صياغة المسار المستقبلي لهذا المرفق تتطلّب إرادة سياسية، وجهدًا استراتيجيًا واضحًا للتواصل يُوضّح القيمة للمستفيدين الأساسيين (وخاصة الدول الغنية بالغابات، والجهات المانحة، والمؤسسات المالية الخاصة، والجهات الخيرية)، بالإضافة إلى إشراك المجتمع المدني واستهداف القطاع الخاص.
واعتبر محيي الدين أنه في حين أن “هيكلنا المالي الدولي قديم، فهو لا يستثمر بما يكفي في المنافع العامة العالمية، ولا يُحقّق النتائج المطلوبة بالسرعة اللازمة”، فإن المرفق فكرة طموحة حان وقتها، وابتكاراتها تجعلها مناسبة تمامًا للحظة السياسية والاقتصادية الراهنة.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز