الصعود المتزايد للنفوذ الإيراني في غزة: الأسباب والأهداف

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

أمد/
أطلقت إسرائيل اسم “الأسد الصاعد” على الجزء الأخير من عملية “عربات جدعون” في غزة. الاسم بدا لافتاً وتوراتياً كما العادة، إلا أنه يحمل دلالات سياسية  تتعلق بمحاولة إسقاط “الانتصار والانجاز” ضد إيران على غزة، لتسويغ الموافقة على اتفاق الهدنة المحتمل فيها.

كانت إسرائيل قد أطلقت اسم “الأسد الصاعد” على عمليتها الأخيرة مع إيران. جاء الاسم توراتياً وعدوانياً كما العادة، وهدف لشد العصب العام واليميني والبيئة الحاضنة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته بشكل خاص. يصف جيش الاحتلال العملية بـ”المبهرة” بعدما فاقت نتائجها التوقعات، بحسب تعبيره، ويتم التعاطي معها كانتصار وإنجاز كبير، مع تحقيق الأهداف الموضوعة كلها (تفكيك المشروعين النووي والصاروخي بشراً وحجراً والقضاء على منظومات الدفاع الجوي)، أقله في بعدها العسكري، وتالياً العمل على البعد السياسي للأهداف، وهو ما لم يطبقه أو يتحاشاه نتنياهو تجاه غزة، بمعنى السعي للتوصل إلى اتفاقات وتفاهمات سياسية مع طهران -عبر واشنطن- لتجيير وترجمة الإنجازات العسكرية التي تعتقد تل أبيب تحقيقها.

 

انتظار الاتصال

لكن مع الضغوط الأميركية المباشرة خاصة من الرئيس دونالد ترامب وشعوره إن الحرب استنفذت أهدافها، وهو المصطلح المستخدم حتى لدى جيش الاحتلال أيضاً، خاصة مع عدم وضع أهداف محددة قابلة للتطبيق، وكما القاعدة المتبعة منذ تأسيس الدولة العبرية، المتضمنة السعي لاتفاقيات سياسية ودبلوماسية -انتظار الاتصال  وفق تعبير الجنرال موشيه دايان بعد حرب حزيران يونيو 1967- لاستثمار العمل والإنجاز وفرض الوقائع على الأرض بالقوة. 

وبناء عليه أطلقت إسرائيل وبشكل متعمد اسم “الأسد الصاعد” على الجزء المتبقي أو الأمتار الأخيرة من عملية “عربات جدعون”، وربما الحرب برمتها ولو بشكل غير رسمي. الاسم توراتي كما عربات جدعون نفسها. ويستبطن استحضار التاريخ اليهودي والبطش بالأعداء أيضاً وبالطبع قائم على القوة والخيار العسكري، والقوة الغاشمة. 

من هنا، بدا لافتاً جداً استنساخ الإسم بغزة. والهدف واضح، للقول إنها في طريقها لتحقيق الانتصار وكما في إيران سيتم توسيعه وإسقاطه على غزة، علماً أن نتنياهو استخدم حرفياً تعبيرات كهذه.

أما الهدف الأهم فيتمثل بقبول اتفاق وقف النار الجديد، والقول إنه يجري من موقع قوة في غزة تماماً، كما في إيران.

 

شعور بالضغط

لابد من الإشارة إلى أن الاتفاق الجديد يستند إلى خطة المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف الأساسية التي أطلقها نهاية شهر أيار/مايو الماضي، وتشمل إطلاق 10 أسرى أحياء على دفعتين – 8 زائد 2 بدلاً من 5 زائد 5 من أصل 20 و18 جثة من أصل 30 على دفعات طوال فترة الهدنة الممتدة إلى ستين يوماً.

ثمة شعور إسرائيلي بالضغط من جهة ترامب وثقة من نتائج المواجهة الأخيرة مع إيران، وارتفاع شعبية نتنياهو وحزبه “الليكود” باستطلاعات الرأي الأخيرة وأجواء جماهيرية وسياسية داعمة للاتفاق حتى داخل الحكومة نفسها كما قال وزير الخارجية جدعون ساعر.

 

معضلة اليوم التالي

وبناء عليه ستكون على الأغلب هدنة لكن ليس وقف إطلاق نار نهائي ومفتوح ولا التزام بوقف تام للحرب، والهدنة ستستمر شهرين وربما أكثر طالما استمرت المفاوضات لاسترداد بقية الأسرى – 10 أحياء و12 جثة، بينما ستواجه الدبلوماسية معضلة اليوم التالي الصعبة بغزة والضفة الغربية وربما حتى الإقليم برمته.

تحضر بالاتفاق الجديد نفس فلسفة اتفاق إطار-جو بايدن- في كانون الثاني/يناير الماضي الذي هو أساساً من وضع جنرالات مجلس الحرب الثلاثة- بينى غانتس وغادي ايزنغوت ويواف غالانت- بالتفاهم مع قادة الأجهزة الأمنية الثلاثة: الجيش والشاباك والموساد- هآرتس هليفي  ورونين بار وديفيد برنياع- الراحلين المستقيلين وشبه المقالين. بينما يبدو رحيل برنياع سؤال متى لا هل وجرى إبقائه أساساً نظراً لدوره الحيوي في الملف الإيراني.

 

الانتصار المطلق مستحيل

تمثلت فلسفة الاتفاق بالسعي الإسرائيلي- الأميركي المنسق لاسترداد الأسرى، والانسحاب إلى المنطقة العازلة  من قطاع غزة، التي تم توسيعها لتبلغ الآن أكثر من ثلث مساحة قطاع 35 بالمائة تقريباً بدلاً من السدس 16 بالمائة لحظة اتفاق كانون الثاني/يناير وادعاء تحقيق أكبر قدر ممكن من الأهداف الممكنة والواقعية،  إثر استرداد الأسرى، وتدمير غزة وإعادتها سنوات بل عقود إلى الوراء ومنعها من تهديد الدولة العبرية لمدة زمنية طويلة أما الانتصار المطلق، فهو مستحيل عسكرياً وسياسياً، وابتدعه نتنياهو أساساً لإطالة الحرب إلى أبعد مدى زمني ممكن للبقاء في السلطة ومواجهة القضاء من مقعد رئيس الحكومة.

هذا يعني للأسف إن لا إعادة إعمار شاملة وجدية ولا فتح للمعابر ورفع الحصار وإدخال واسع للمساعدات حيث يحتاج القطاع إلى 5000 شحن يومياً على الأقل بينما المطروح عشر العدد في أحسن الأحوال دون حل معضلة اليوم التالي وتحاشي استنساخ نموذج آخر تعتقد إسرائيل أنها انتصرت فيه بوضوح وهو لبنان والتهرّب المنهجي من تحديد رؤية واقعية وقابلة للتطبيق بغزة، والتوصل إلى اتفاق سياسي لاستثمار وتجيير نتائج الحرب كما جرى مع إيران ولبنان حتى وفق المنطق الإسرائيلي نفسه.

الهروب منهجي متعمد لإبقاء الانقسام بين الضفة وغزة، والتهرب من الحل السياسي للقضية الفلسطينية وإبقاء إمكانية العودة للحرب بعد استرداد الأسرى للحفاظ على وحدة الحكومة والائتلاف بالدولة العبرية، حيث أنه ورغم ارتفاع شعبية نتنياهو و”الليكود” إلا أنه لا ضمان بتشكيله الحكومة الجديدة بعد الانتخابات التي باتت مسألة وقت، هذا بافتراض تنافسه فيها وعدم خروجه من الباب العريض مع إزالة آثار الهزيمة الكبرى والتاريخية في 7 تشرين أول/أكتوبر 2023. بإيقاع نكبة جديدة بغزة وأهلها وإبقاء آفاق اليوم التالي مغلقة أمام الغزيين والفلسطينيين عموماً.

 

استراتيجية فلسطينية مضادة

كما العادة لابد من التذكير بالحاجة إلى استراتيجية فلسطينية مضادة لليوم التالي بغزة لإفشال المخططات الاسرائيلية والحفاظ على المصالح الوطنية في التعافي وإعادة الاعمار والأهم إبقاء القضية الفلسطينية بالذاكرة العصية وجدول الأعمال الإقليمي والدولي وللأسف لا تبدو طبقة وقيادة النكبة الحالية مستعدة ومؤهلة للمهام الجسام التي ستكون برسم قيادة جديدة سينتجها حتماً الشعب العنيد بعد النكبة الراهنة، تماماً كما جرى بعد النكبة الأولى 1948 التي أطاحت بقائد بحجم المفتي أمين الحسيني، ونكسة-نكبة 1967 التي أطاحت بقائد وزعيم بحجم  المؤسس أحمد الشقيري..

عن المدن اللبنانية



‫0 تعليق

اترك تعليقاً